كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: إذَا تَكَلَّمَ بِالظِّهَارِ فَقَدْ لَزِمَهُ - وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ - قَالَ الْبَتِّيُّ: إنْ مَاتَتْ لَمْ يَصِلْ إلَى مِيرَاثِهَا حَتَّى يُكَفِّرَ، وَإِنْ وَطِئَهَا كَفَرَ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْعَوْدُ هَهُنَا إرَادَةُ الْوَطْءِ، فَمَنْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ كَفَّارَةُ الْوَطْءِ حَتَّى يُرِيدَ وَطْأَهَا، فَإِذَا أَرَادَ وَطْأَهَا فَحِينَئِذٍ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، فَإِنْ بَدَا لَهُ عَنْ وَطْئِهَا سَقَطَتْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ، فَإِنْ أَرَادَ وَطْأَهَا عَادَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، فَإِنْ بَدَا لَهُ سَقَطَتْ عَنْهُ، وَهَكَذَا أَبَدًا.
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ - فِي أَشْهَرِ قَوْلَيْهِ - وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونِ، وَمَا نَعْلَمُ هَذَا عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمَا - وَهُوَ أَسْقَطُ الْأَقْوَالِ لِتَعَرِّيهِ عَنْ الْأَدِلَّةِ، وَلِأَنَّهُ إيجَابٌ وَإِبْطَالٌ لِلدَّعْوَى بِلَا مَعْنَى.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَعْنَى " الْعَوْدِ " أَنَّ الظِّهَارَ يُوجِبُ تَحْرِيمًا لَا تَرْفَعُهُ إلَّا الْكَفَّارَةُ، إلَّا أَنَّهُ إنْ لَمْ يَطَأْهَا مُدَّةً طَوِيلَةً حَتَّى مَاتَتْ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَرَادَ فِي خِلَالِ ذَلِكَ وَطْأَهَا أَوْ لَمْ يُرِدْ، فَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ عَادَ عَلَيْهِ حُكْمُ الظِّهَارِ، وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، قَالَ: وَالظِّهَارُ قَوْلٌ كَانُوا يَقُولُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَنُهُوا عَنْهُ، فَكُلُّ مَنْ قَالَهُ فَقَدْ عَادَ لِمَا قَالَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قَرِيبٌ فِي الْفَسَادِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، لِأَنَّهُ تَحَكُّمٌ بِالْبَاطِلِ وَلَعِبٌ وَكَذِبٌ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ الَّذِينَ يَقُولُونَهُ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يَقُولُوهُ قَطُّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَإِنَّمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: ٣] وَلَمْ يَقُلْ: لِمَا قَالَ غَيْرُهُمْ.
وَذِكْرُ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ يُغْنِي عَنْ تَكَلُّفِ الرَّدِّ عَلَيْهِمَا لِظُهُورِ فَسَادِهِمَا، وَأَنَّهُمَا شَرْعٌ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَنَّهُمَا لَا يُحْفَظَانِ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْعَوْدُ هُوَ أَنْ يُظَاهِرَ مِنْهَا ثُمَّ يُمْسِكَهَا مُدَّةً بِقَدْرِ أَنْ يَقُولَ فِيهَا: أَنْتِ طَالِقٌ، فَلَا يُطَلِّقُهَا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ عَادَ لِمَا قَالَ.
وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ - مَاتَتْ أَوَعَاشَتْ، طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُطَلِّقْهَا - فَإِنْ طَلَّقَهَا إثْرَ ظِهَارِهِ مِنْهَا فَلَا كَفَّارَةَ ظِهَارٍ عَلَيْهِ - وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute