وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: إذَا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ أَمْسَكَهَا وَعَزَمَ عَلَى وَطْئِهَا فَقَدْ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ بَعْدُ - مَاتَتْ أَوْ عَاشَتْ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَقَوْلِنَا - رُوِيَ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ، وَيَحْيَى بْنِ زِيَادٍ الْفَرَّاءِ - وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عَطَاءٍ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: جَمِيعُ الْأَقْوَالِ الَّتِي قَدَّمْنَا إنَّمَا هِيَ دَعَاوَى لَا تُوَافِقُ فِي اللُّغَةِ - الَّتِي بِهَا خَاطَبَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَبِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ - مَا يَقَعُ عَلَيْهِ لَفْظَةُ " الْعَوْدِ لِمَا قَالَ " وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ بِيَقِينٍ، نَعْنِي مَنْ فَسَّرَ " الْعَوْدَ " بِالْوَطْءِ، أَوْ بِإِرَادَةِ الْوَطْءِ، أَوْ بِالْإِمْسَاكِ، إذْ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا عَوْدًا لِمَا قَالَ.
وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ: إنَّهُ يُوجِبُ تَحْرِيمًا لَا يَرْفَعُهُ إلَّا الْكَفَّارَةُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ الْكَفَّارَةَ بِالظِّهَارِ وَحْدَهُ، لَكِنْ بِهِ وَبِ " الْعَوْدِ لِمَا قَالَ هَذَا نَصُّ الْقُرْآنِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُنَا وَهُوَ " أَنْ يَعُودَ لِمَا قَالَ ثَانِيَةً " وَلَا يَكُونُ الْعَوْدُ لِلْقَوْلِ إلَّا بِتَكْرِيرِهِ، لَا يُعْقَلُ فِي اللُّغَةِ غَيْرُ هَذَا، وَبِهَذَا جَاءَتْ السُّنَّةُ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ عَارِمٍ، كِلَاهُمَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّ جَمِيلَةَ بِنْتَ ثَعْلَبَةَ امْرَأَةَ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ وَكَانَ بِهِ لَمَمٌ فَكَانَ إذَا اشْتَدَّ لَمَمُهُ ظَاهَرَ مِنْهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَلَا بُدَّ، وَلَا يَصِحُّ فِي الظِّهَارِ إلَّا هَذَا الْخَبَرُ وَحْدَهُ، إلَّا خَبَرًا نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَكُلُّ مَا عَدَا ذَلِكَ فَسَاقِطٌ: إمَّا مُرْسَلٌ، وَإِمَّا مِنْ رِوَايَةِ مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ، كَمَا بَيَّنَّا فِي " كِتَابِ الْإِيصَالِ " وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ مِنْ الرِّقَابِ -: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ عِتْقُ الْكِتَابِيِّ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute