للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَأَبَا عُبَيْدٍ غَلَّبَا الْأَيَّامَ وَلَمْ يَجْعَلَا لِتَلَوُّنِ الدَّمِ حُكْمًا إلَّا فِي الَّتِي لَا تَعْرِفُ أَيَّامَهَا، وَجَعَلَا لِلَّتِي تَعْرِفُ أَيَّامَهَا حُكْمَ الْأَيَّامِ وَإِنْ تَلَوَّنَ دَمُهَا، وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ وَدَاوُد فَغَلَّبَا حُكْمَ تَلَوُّنِ الدَّمِ، سَوَاءٌ عَرَفَتْ أَيَّامَهَا أَوْ لَمْ تَعْرِفْهَا، وَلَمْ يَجْعَلَا حُكْمَ مُرَاعَاةِ وَقْتِ الْحَيْضِ إلَّا لِلَّتِي لَا يَتَلَوَّنُ دَمُهَا.

قَالَ عَلِيٌّ: فَبَقِيَ النَّظَرُ فِي أَيِّ الْعَمَلَيْنِ هُوَ الْحَقُّ؟ فَفَعَلْنَا، فَوَجَدْنَا النَّصَّ قَدْ ثَبَتَ وَصَحَّ بِأَنَّهُ لَا حَيْضَ إلَّا الدَّمُ الْأَسْوَدُ، وَمَا عَدَاهُ لَيْسَ حَيْضًا، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ دَمَ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ» فَصَحَّ أَنَّ الْمُتَلَوِّنَةَ الدَّمِ طَاهِرَةٌ تَامَّةُ الطَّهَارَةِ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي حُكْمِ الِاسْتِحَاضَةِ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الدَّمِ الْأَحْمَرِ وَبَيْنَ الْقَصَّةِ الْبَيْضَاءِ، وَوَجَبَ أَنَّ الدَّمَ إذَا تَلَوَّنَ قَبْلَ انْقِضَاءِ أَيَّامِهَا الْمَعْهُودَةِ أَنَّهُ طُهْرٌ صَحِيحٌ، فَبَقِيَ الْإِشْكَالُ فِي الدَّمِ الْأَسْوَدِ الْمُتَّصِلِ فَقَطْ، فَجَاءَ النَّصُّ بِمُرَاعَاةِ الْوَقْتِ لِمَنْ تَعْرِفُ وَقْتَهَا، وَبِالْغُسْلِ الْمُرَدَّدِ لِكُلِّ صَلَاةٍ أَوْ لِصَلَاتَيْنِ فِي الَّتِي نَسِيَتْ وَقْتَهَا.

وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَخْبَارِ سَبَبًا يَتَعَلَّقُ بِهِ، لَا مِنْ قِيَاسٍ وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ وَلَا مِنْ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ.

وَقَالَ مَالِكٌ فِي بَعْضِ أَقْوَالِهِ: إنَّ الَّتِي يَتَّصِلُ بِهَا الدَّمُ تَسْتَظْهِرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إنْ كَانَتْ حَيْضَتُهَا اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا فَأَقَلَّ، أَوْ بِيَوْمَيْنِ إنْ كَانَتْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا، أَوْ بِيَوْمٍ إنْ كَانَتْ حَيْضَتُهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَلَا تَسْتَظْهِرُ بِشَيْءٍ إنْ كَانَتْ حَيْضَتُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ وَهَذَا قَوْلٌ لَا يُعَضِّدُهُ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ، لَا صَحِيحَةٌ وَلَا سَقِيمَةٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ وَلَا قِيَاسٌ وَلَا رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ وَلَا احْتِيَاطٌ، بَلْ فِيهِ إيجَابُ تَرْكِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَالصَّوْمِ اللَّازِمِ بِلَا مَعْنًى.

وَاحْتَجَّ لَهُ بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ بِحَدِيثِ سُوءٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيق إبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْزَةَ عَنْ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ حَرَامِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُحَمَّدٍ ابْنَيْ جَابِرٍ عَنْ أَبِيهِمَا قَالَ «جَاءَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ مُرْشِدٍ الْحَارِثِيَّةُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا جَالِسٌ عِنْدَهُ، فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدَثَتْ لِي حَيْضَةٌ أُنْكِرُهَا، أَمْكُثُ بَعْدَ الطُّهْرِ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا، ثُمَّ تُرَاجِعُنِي فَتُحَرِّمُ عَلَيَّ الصَّلَاةَ، فَقَالَ: إذَا رَأَيْتِ ذَلِكَ فَامْكُثِي ثَلَاثًا ثُمَّ تَطَهَّرِي الْيَوْمَ الرَّابِعَ فَصَلِّي إلَّا أَنْ تَرَيْ دَفْعَةً مِنْ دَمٍ قَاتِمَةً» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَكَانَ هَذَا الِاحْتِجَاجُ أَقْبَحَ مِنْ الْقَوْلِ الْمُحْتَجِّ لَهُ بِهِ، لِأَنَّ هَذَا الْخَبَرَ بَاطِلٌ إذْ هُوَ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ حَرَامُ بْنُ عُثْمَانَ، وَمَالِكٌ نَفْسُهُ يَقُولُ: هُوَ غَيْرُ ثِقَةٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>