للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} [البقرة: ٢٢١] .

وَلَمْ يَخُصَّ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ هَذَا التَّحْرِيمِ إلَّا مَا كَانَ بِالزَّوَاجِ فَقَطْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [المائدة: ٥] .

وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عُقُودَ نِكَاحَاتِ الْكُفَّارِ صِحَاحٌ، وَمِنْهَا كَانَتْ وِلَادَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَمَا صَحَّ فَلَا سَبِيلَ لِإِبْطَالِهِ إلَّا بِنَصٍّ - فَصَحَّ أَنَّهَا مَا لَمْ تُسْلِمْ الْمَسْبِيَّةُ ذَاتُ الزَّوْجِ فَهِيَ عَلَى زَوْجِيَّتِهَا سَوَاءٌ بَقِيَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ سُبِيَ مَعَهَا.

وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ اخْتِلَافَ الدَّارَيْنِ يَقْطَعُ عِصْمَةَ النِّكَاحِ، فَقَوْلٌ بَاطِلٌ فَاسِدٌ، لِأَنَّهُ دَعْوَى مُجَرَّدَةٌ لَمْ يُؤَيِّدْهَا قَطُّ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ وَقَدْ تَكَلَّمْنَا فِي صَدْرِ كِتَابِنَا هَذَا فِي الْخَبَرِ الْوَارِدِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ إذْ أَصَابُوا سَبَايَا أَوْطَاسٍ، فَتَحَرَّجُوا مِنْ غَشَيَانِهِنَّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٢٤] فَهُنَّ لَكُمْ حَلَالٌ إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ.

وَبَيَّنَّا أَنَّهُنَّ بِيَقِينٍ - مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ - وَثَنِيَّاتٌ مِنْ سَبَايَا هَوَازِنَ، وَوَطْؤُهُنَّ لَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ حَتَّى يُسْلِمْنَ بِلَا خِلَافٍ مِنَّا وَمِنْ الْحَاضِرِينَ مِنْ الْمُخَالِفِينَ وَبِنَصِّ تَحْرِيمِ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ - فَصَحَّ أَنَّ مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ إذَا أَسْلَمْنَ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِذَا أَسْلَمْنَ فَلَا يَخْلَوْنَ ضَرُورَةً مِنْ أَنْ يَكُونَ زَوْجُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُنَّ سُبِيَ مَعَهَا أَوْ لَمْ يُسْبَ، بَلْ هُوَ فِي أَرْضِهِ، فَإِنْ كَانَ مَعَهَا أَوْ فِي أَرْضِهِ وَلَمْ يُسْلِمْ قَبْلَ إسْلَامِهَا إنْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً، أَوْ مَعَ إسْلَامِهَا كَائِنًا مَا كَانَ دِينُهَا؟ فَقَدْ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا مِنْهُ عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِذَا انْفَسَخَ نِكَاحُهَا بِإِسْلَامِهَا دُونَ إسْلَامِ زَوْجِهَا فَقَدْ حَلَّ فَرْجُهَا لِسَيِّدِهَا الْمُسْلِمِ حِينَئِذٍ: بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ بِلَا خِلَافٍ، فَإِنْ أَسْلَمَ زَوْجُهَا مَعَ إسْلَامِهَا كَائِنًا مَا كَانَ دِينُهَا، أَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ إسْلَامِهَا وَهِيَ كِتَابِيَّةٌ، فَهُمَا فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا بَاقِيَانِ عَلَى زَوْجِيَّتِهِمَا، لِمَا ذَكَرْنَا: مِنْ أَنَّ كُلَّ نِكَاحٍ صَحَّ بِتَصْحِيحِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ فَسْخُهُ إلَّا بِنَصِّ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَابِتَةٍ، وَلَا سَبِيلَ إلَى وُجُودِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي فَسْخِ نِكَاحِ الْمَسْبِيَّةِ بَعْدَ إسْلَامِهَا دُونَ إسْلَامِ زَوْجِهَا فَقَطْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>