قَالُوا: وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمَبِيعَاتُ وَالْمَسْبِيَّاتُ، لِأَنَّ الْآيَةَ عَلَى عُمُومِهَا.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنَّمَا عَنَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ الْمَسْبِيَّاتِ خَاصَّةً. رُوِّينَا ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ عَنْهُ، وَإِبْرَاهِيمُ لَمْ يُدْرِكْهُ، وَلَا لَقِيَهُ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طَرِيقِ إسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ - وَهُوَ ضَعِيفٌ.
وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: كُلُّ ذَاتِ زَوْجٍ عَلَيْك حَرَامٌ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحِمَّانِيُّ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - عَنْ شَرِيكٍ - وَهُوَ مُدَلِّسٌ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا مَنْ جَعَلَ بَيْعَ الْأَمَةِ طَلَاقَهَا وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٢٤] فَوَجَدْنَاهَا قَدْ خَصَّهَا خَبَرٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ بَيْعُ بَرِيرَةَ وَابْتِيَاعُ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ لَهَا، وَلَهَا زَوْجٌ اسْمُهُ مُغِيثٌ، فَلَمْ يَكُنْ بَيْعُهَا طَلَاقًا لَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَتْهَا أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ ابْتِيَاعِهَا لَهَا، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ أَيْضًا طَلَاقًا لَهَا، بَلْ خَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَئِذٍ فِي الْبَقَاءِ فِي زَوْجِيَّتِهِ، أَوْ فِي فِرَاقِهِ.
فَصَحَّ بِذَلِكَ أَنَّ بَيْعَ الْأَمَةِ لَيْسَ طَلَاقًا لَهَا، وَصَحَّ بِهَذَا: أَنَّ قَوْله تَعَالَى {إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٢٤] اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ - مَعْنَاهُ: لَكِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مَا لَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْكُمْ، كَذَوَاتِ الْمَحَارِمِ، وَذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ، وَالْكَوَافِرِ، فَمَا عَدَا هَؤُلَاءِ فَحَلَالٌ لَكُمْ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ: بَيْعُ الْعَبْدِ طَلَاقٌ لِزَوْجَتِهِ الْأَمَةِ، فَلَا نَعْلَمُ لَهُ شَيْئًا يَتَعَلَّقُ بِهِ - فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
ثُمَّ نَظَرْنَا فِي الْمَسْبِيَّةِ مَعَ زَوْجِهَا، أَوْ دُونَهُ، أَوْ يُسْبَى هُوَ دُونَهَا، أَوْ خَرَجَتْ إلَى أَرْضِ الْمُسْلِمِينَ وَلَهَا زَوْجٌ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ؟ فَوَجَدْنَاهَا لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ إذْ سُبِيَتْ، أَوْ خَرَجَتْ إلَى أَرْضِ الْمُسْلِمِينَ مُخْتَارَةً: بَقِيَتْ عَلَى دِينِهَا الْكِتَابِيِّ، أَوْ غَيْرِ الْكِتَابِيِّ، أَوْ أَسْلَمَتْ؟ لَا تَخْلُو ضَرُورَةً مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، وَلَا ثَالِثَ هُنَالِكَ.
فَإِنْ كَانَتْ لَمْ تُسْلِمْ فَقَدْ بَيَّنَّا فِي صَدْرِ كَلَامِنَا فِي " النِّكَاحِ " مِنْ كِتَابِنَا هَذَا أَنَّ وَطْءَ الْأَمَةِ الْكَافِرَةِ كِتَابِيَّةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ كِتَابِيَّةٍ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لَا يَحِلُّ أَصْلًا فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ لِقَوْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute