للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ نَدْعُ هَذَا كُلَّهُ، فَنَقُولُ: هَبْكُمْ أَنَّهُ لَمْ يَرْوِ أَحَدٌ أَنَّهُ كَانَ حُرًّا، بَلْ لَمْ يَخْتَلِفْ الرُّوَاةُ فِي أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا حِينَ أُعْتِقَتْ؟ هَلْ جَاءَ قَطُّ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إنَّمَا خَيَّرْتُهَا؛ لِأَنَّهَا تَحْتَ عَبْدٍ، وَلَوْ كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا مَا خَيَّرْتهَا - هَذَا أَمْرٌ لَا يَجِدُونَهُ أَبَدًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لَا فِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ، فَإِذْ لَا سَبِيلَ إلَى وُجُودِ هَذَا أَبَدًا فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا أُعْتِقَتْ بَرِيرَةُ خَيَّرَهَا فِي الْبَقَاءِ مَعَ زَوْجِهَا أَوْ فِرَاقِهِ، فَهَذَا - لَا شَكَّ فِيهِ، فَلَا يَجُوزُ تَعَدِّيهِ، وَلَا زِيَادَةُ حُكْمٍ فِيهِ.

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا خَيَّرَهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَبْدًا، وَبَيْنَ آخَرَ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يُخَيِّرْهَا إلَّا لِأَنَّهُ كَانَ أَسْوَدَ، وَبَيْنَ ثَالِثٍ ادَّعَى أَنَّ تَخْيِيرَهَا إنَّمَا كَانَ، لِأَنَّ اسْمَهُ مُغِيثٌ.

وَكُلُّ هَذِهِ ظُنُونٌ كَاذِبَةٌ لَا يَحِلُّ الْقَوْلُ بِهَا، وَلَا الْحُكْمُ بِهَا، وَإِنَّمَا الْحَقُّ أَنَّ الْمُعْتَقَةَ خَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ فِرَاقِ زَوْجِهَا، وَالْبَقَاءِ مَعَهُ وَلَا مَزِيدَ، فَوَاجِبٌ أَنْ تُخَيَّرَ كُلُّ مُعْتَقَةٍ وَلَا مَزِيدَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَمِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ -: هَلْ يَنْقَطِعُ خِيَارُهَا بِوَطْءِ زَوْجِهَا لَهَا أَمْ لَا؟ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي أَمْرِ بَرِيرَةَ: إنْ غَشِيَهَا زَوْجُهَا فَلَا خِيَارَ لَهَا - وَهَذَا مُنْقَطِعٌ.

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: أَعْتَقَتْ حَفْصَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ جَارِيَةً يُقَالُ لَهَا " زَبْرَاءُ " ثُمَّ قَالَتْ لَهَا: اعْلَمِي أَنَّهُ إنْ وَطِئَك فَلَا خِيَارَ لَك - وَبِهِ كَانَ يَقُولُ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ - وَصَحَّ عَنْ قَتَادَةَ، وَالزُّهْرِيِّ، وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ.

وَذَهَبَ آخَرُونَ - إلَى أَنَّهَا إنْ وَطِئَهَا - وَهِيَ لَا تَعْلَمُ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ: لَمْ يَسْقُطْ بِذَلِكَ خِيَارُهَا، وَإِنْ عَلِمَتْ فَقَدْ سَقَطَ خِيَارُهَا -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: إذَا جَامَعَهَا بَعْدَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ، فَلَا خِيَارَ لَهَا - وَهَذَا مُنْقَطِعٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>