وَمِنْ الْعَجَبِ؟ قَوْلُهُمْ: فَرَّ بِمِيرَاثِهَا، وَأَيُّ مِيرَاثٍ لَهَا مِنْ صَحِيحٍ لَعَلَّهَا هِيَ تَمُوتُ قَبْلَهُ - وَرُبَّ صَحِيحٍ يَمُوتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْمَرِيضِ، وَقَدْ يَبْرَأُ مِنْ مَرَضِهِ، فَمَا وَجَبَ بِهَا قَطُّ - إذْ طَلَّقَهَا - مِيرَاثٌ يَفِرُّ بِهِ عَنْهَا.
ثُمَّ مِنْ الْعَجَبِ تَوْرِيثُ الْحَنَفِيِّينَ الْمَبْتُوتَةَ مِمَّنْ حُبِسَ لِلْقَتْلِ، أَوْ بَارَزَ فِي حَرْبٍ وَلَيْسَ مَرِيضًا، وَمَنْعُهُمْ الْمِيرَاثَ لِلَّتِي أَكْرَهَهَا أَبُو زَوْجِهَا عَلَى أَنْ وَطِئَهَا فِي مَرَضِ زَوْجِهَا، وَلَيْسَ لِزَوْجِهَا فِي ذَلِكَ عَمَلٌ أَصْلًا، وَلَا طَلَّقَهَا مُخْتَارًا قَطُّ؟ وَتَوْرِيثُ الْمَالِكِيِّينَ الْمُخْتَلِعَةَ، وَالْمُخْتَارَةَ نَفْسَهَا، وَالْقَاصِدَةَ إلَى تَحْنِيثِهِ فِي مَرَضِهِ فِي يَمِينِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ بِالطَّلَاقِ، وَهُوَ كَارِهٌ لِمُفَارَقَتِهَا وَهِيَ مُسَارِعَةٌ إلَيْهِ، مُكْرِهَةٌ لَهُ عَلَى ذَلِكَ.
وَمَا فِي الْعَجَبِ أَكْثَرُ مِنْ مَنْعِهِمْ الْمُتَزَوِّجَةَ فِي الْمَرَضِ مِنْ الْمِيرَاثِ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا يَقِينًا بِالزَّوْجِيَّةِ الصَّحِيحَةِ، وَتَوْرِيثِهِمْ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا فِي الْمَرَضِ، فَوَرَّثُوا بِالزَّوْجِيَّةِ مَنْ لَيْسَتْ زَوْجَةً، وَمَنَعُوا مِيرَاثَ الزَّوْجَةِ مَنْ هِيَ زَوْجَتُهُ - وَحَسْبُنَا اللَّهُ، وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مَالِكٌ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَمَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ، وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ وَعَمْرُ وَكُلُّهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ - وَقَالَ مَخْرَمَةُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ " وَقَالَ يُونُسُ - وَاللَّفْظُ لَهُ -: نا الزُّهْرِيُّ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ: لَهُ: حِبَّانُ بْنُ مُنْقِذٍ كَانَتْ تَحْتَهُ هِنْدُ بِنْتُ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَامْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَطَلَّقَ الْأَنْصَارِيَّةَ - وَهِيَ تُرْضِعُ ابْنَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ - فَمَكَثَتْ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ لَا تَحِيضُ، ثُمَّ مَرِضَ حِبَّانُ فَقِيلَ لَهُ: إنَّهَا تَرِثُك إنْ مِتّ؟ قَالَ: احْمِلُونِي إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ فَحُمِلَ إلَيْهِ فَذَكَرَ لَهُ شَأْنَ امْرَأَتِهِ - وَعِنْدَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ؟ فَقَالَ لَهُمَا عُثْمَانُ: مَا تَرَيَانِ؟ قَالَا جَمِيعًا: نَرَى أَنَّهَا تَرِثُهُ إنْ مَاتَ، وَيَرِثُهَا إنْ مَاتَتْ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقَوَاعِدِ اللَّاتِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ، وَلَيْسَتْ مِنْ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ، فَهِيَ عِنْدَهُ عَلَى حَيْضِهَا مَا كَانَتْ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، وَأَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْهَا مِنْ أَنْ تَحِيضَ إلَّا الرَّضَاعُ؟ فَرَجَعَ حِبَّانُ فَانْتَزَعَ ابْنَهُ مِنْهَا، فَلَمَّا فَقَدَتْ الرَّضَاعَ حَاضَتْ حَيْضَةً، ثُمَّ حَاضَتْ أُخْرَى فِي الْهِلَالِ، ثُمَّ تُوُفِّيَ حِبَّانُ عَلَى رَأْسِ السَّنَةِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا؟ فَشَرَّكَ عُثْمَانُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute