بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ فِي الْمِيرَاثِ، وَأَمَرَ الْأَنْصَارِيَّةَ أَنْ تَعْتَدَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ - وَقَالَ لِلْهَاشِمِيَّةِ هَذَا رَأْيُ ابْنِ عَمِّك، هُوَ أَشَارَ عَلَيْنَا بِهِ - يَعْنِي عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: نا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: إنَّ عُثْمَانَ قَضَى أَنْ نَخْتَلِجَ مِنْهَا وَلَدَهَا حَتَّى تَحِيضَ أَقْرَاءَهَا.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي خَالِدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْمَهْرِيُّ عَمَّنْ أَخْبَرَهُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُثْمَانَ أَرْسَلَ إلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ يُشَاوِرُهُ فِي أَمْرِ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ؟ فَقَالَ زَيْدٌ: اخْتَلَجَ ابْنَهُ مِنْهَا، تَرْجِعُ الْحَيْضَةُ؟ فَفَعَلَ عُثْمَانُ، وَذَكَرَ الْخَبَرَ - وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا حَقًّا هُوَ الْفِرَارُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تُمْنَعَ رَضَاعَ وَلَدِهَا لِيَتَعَجَّلَ حَيْضَهَا فَتَتِمَّ عِدَّتُهَا، وَتُبْطِلَ مِيرَاثَهَا - وَإِنَّمَا كَانَ الْوَجْهُ - إذَا هُوَ عِنْدَهُمْ فَارٌّ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ - أَنْ يُبْطِلُوا الطَّلَاقَ الَّذِي بِهِ أَرَادَ مَنْعَهَا الْمِيرَاثَ، كَمَا فَعَلَ الْمَالِكِيُّونَ فِي نِكَاحِ الْمَرِيضِ.
وَأَمَّا تَجْوِيزُهُمْ الطَّلَاقَ وَإِبْقَاؤُهُمْ الْمِيرَاثَ فَمُنَاقَضَةٌ ظَاهِرَةُ الْخَطَأِ.
وَقَدْ أَوْرَدْنَا قَبْلُ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ لَمْ يُجِزْ ذَلِكَ الطَّلَاقَ، إذْ أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بِمُرَاجَعَتِهَا بَعْدَ أَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا.
وَيُقَالُ لَهُمْ: أَتَرَوْنَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَرَّ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى؟ حَاشَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ، فَمِنْ قَوْلِهِمْ: إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ بِمَنْ لَا يُظَنُّ بِهِ الْفِرَارُ لِقَطْعِ الذَّرِيعَةِ؟ فَقُلْنَا: فَهَلَّا قُلْتُمْ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَنَّ مَنْ أَكْرَهَهَا أَبُو زَوْجِهَا عَلَى الْوَطْءِ أَنَّهَا تَرِثُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَدُسَّ الزَّوْجُ أَبَاهُ لِذَلِكَ لِيَمْنَعَهَا الْمِيرَاثَ فَرُبَّ فَاسِقٍ يَسْتَسْهِلُ هَذَا فِي حَرِيمَتِهِ فَيَكُونُ قَطْعًا لِلذَّرِيعَةِ.
وَهَلَّا إنْ كُنْتُمْ مَالِكِيِّينَ قُلْتُمْ بِذَلِكَ فِي الْمُرْتَدِّ فِي مَرَضِهِ، إذْ قُلْتُمْ: لَا نَتَّهِمُهُ أَنَّهُ ارْتَدَّ فِرَارًا مِنْ مِيرَاثِهَا، فَكَمْ مِنْ النَّاسِ فَرَّ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ وَارْتَدَّ لِغَضَبٍ غَضِبَهُ، وَلِيَغِيظَ جَارَهُ بِأَذَاهُ لَهُ؟ وَهَذَا كُلُّهُ تَنَاقُضٌ لَا خَفَاءَ بِهِ فَكَيْفَ مَنْ ارْتَدَّ لِئَلَّا تَرِثَهُ ثُمَّ رَاجَعَ الْإِسْلَامَ؟ وَهَلَّا وَرَّثُوهَا مِنْهُ - وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَهُ؟ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَوْرِيثِهَا وَهِيَ مَيِّتَةٌ وَبَيْنَ تَوْرِيثِهَا بِالزَّوْجِيَّةِ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ زَوْجَةٌ لِغَيْرِهِ لَوْ وَطِئَهَا هُوَ لَرُجِمَ وَرُجِمَتْ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute