للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالُوا: وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنَّهُ إنْ بَقِيَ لَهَا عُضْوٌ كَامِلٌ لَمْ تَغْسِلْ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ؟ قَالُوا: وَلَكِنْ نَدَعُ الْقِيَاسَ، وَنَسْتَحْسِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ، فَإِنْ لَمْ يَبْقَ لَهَا أَنْ تَغْسِلَ إلَّا بَعْضَ عُضْوٍ فَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا، وَقَدْ حَلَّ لَهَا الزَّوَاجُ.

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلٌ آخَرُ - وَهُوَ أَنَّهُ إنْ بَقِيَ عَلَيْهَا مِنْ الْعُضْوِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا، وَلَا يَحِلُّ لَهَا الزَّوَاجُ حَتَّى تَغْسِلَ تِلْكَ اللُّمْعَةَ.

قَالَ: فَلَوْ رَأَتْ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وَهِيَ مُسَافِرَةٌ لَا مَاءَ مَعَهَا فَتَيَمَّمَتْ، فَلَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ مَا لَمْ تُصَلِّ.

قَالَ: فَلَوْ وَجَدَتْ مَاءً قَدْ شَرِبَ مِنْهُ حِمَارٌ - وَلَمْ تَجِدْ غَيْرَهُ - فَاغْتَسَلَتْ بِهِ، أَوْ تَيَمَّمَتْ فَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا، وَلَا يَحِلُّ مَعَ ذَلِكَ لَهَا الزَّوَاجُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَهُوَ قَوْلٌ لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ - وَكَذَلِكَ تَحْدِيدُ مَنْ حَدَّ انْقِطَاعَ الْعِدَّةِ بِأَنْ يَمْضِيَ لَهَا وَقْتُ صَلَاةٍ فَلَا تَغْتَسِلُ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ أَصْلًا، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ.

وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ حَتَّى تَغْسِلَ فَرْجَهَا مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَسَقَطَتْ هَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا.

وَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: هُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ تَغْتَسِلْ وَتَحِلَّ لَهَا الصَّلَاةُ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ بِطُهْرِهَا مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ تَتِمُّ عِدَّتُهَا - وَهُوَ قَوْلُنَا.

فَوَجَدْنَا حُجَّةَ مَنْ قَالَ: هُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ تَحِلَّ لَهَا الصَّلَوَاتُ - يَحْتَجُّونَ بِأَنَّهُ صَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَغَيْرِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُمْ - قَالُوا: وَمِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَغَبًا غَيْرَ هَذَا، وَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يُضَافَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالظَّنِّ الَّذِي أَخْبَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، مَا لَمْ يَأْتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>