للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَدَّى عَلَى أَنَّهَا فَرْضُهُ، وَنَوَى ذَلِكَ فِيهَا.

وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا؛ لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا عُذْرَ لَهُ فِي التَّأَخُّرِ عَنْ الْجَمَاعَةِ؛ فَالْأُولَى إنْ صَلَّاهَا وَحْدَهُ بَاطِلٌ: وَالثَّانِيَةُ فَرْضُهُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ، وَلَا بُدَّ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي وُجُوبِ فَرْضِ الْجَمَاعَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْجُمُعَةُ وَغَيْرُهَا فِي كُلِّ ذَلِكَ سَوَاءٌ.

وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ فِيمَنْ صَلَّى الْجُمُعَةَ فِي مَنْزِلِهِ؛ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَبَاطِلٌ لِوُجُوهٍ: أَوَّلُهَا: تَفْرِيقُهُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا بِلَا بُرْهَانٍ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا فَقَدْ أَخْطَأَ فِي قَوْلِهِ: إنَّهَا تُجْزِئُهُ إذَا صَلَّاهَا مُنْفَرِدًا؛ لِغَيْرِ عُذْرٍ فِي مَنْزِلِهِ.

وَالثَّالِثُ: إبْطَالُهُ تِلْكَ الصَّلَاةَ بَعْدَ أَنْ جَوَّزَهَا: إمَّا بِخُرُوجِهِ إلَى الْجَامِعِ، وَإِمَّا بِدُخُولِهِ مَعَ الْإِمَامِ، وَكُلُّ ذَلِكَ آرَاءٌ فَاسِدَةٌ مَدْخُولَةٌ، وَقَوْلٌ فِي الدِّينِ بِغَيْرِ عِلْمٍ.

قَالَ عَلِيٌّ: فَإِذْ قَدْ بَطَلَتْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ كُلُّهَا فَلْنَذْكُرْ مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ.

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ: حَدَّثَنِي أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيِّ وَأَبُو كَامِلِ الْجَحْدَرِيِّ قَالَا: ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَكَيْفَ أَنْتَ إذَا كَانَتْ عَلَيْك أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا، أَوْ يُمِيتُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا؟ قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا فِيهِمْ فَصَلِّ فَإِنَّهَا لَكَ نَافِلَةٌ» .

وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ثنا إسْمَاعِيلُ هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُلَيَّةَ - عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الْبَرَاءِ قَالَ: أَخَّرَ ابْنُ زِيَادٍ الصَّلَاةَ، فَجَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّامِتِ فَذَكَرْت لَهُ صَنِيعَ ابْنِ زِيَادٍ فَقَالَ: سَأَلْتُ أَبَا ذَرٍّ كَمَا سَأَلْتَنِي فَقَالَ «إنِّي سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا سَأَلْتَنِي فَضَرَبَ فَخِذِي وَقَالَ: صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا فَإِنْ أَدْرَكْتَ الصَّلَاةَ مَعَهُمْ فَصَلِّ وَلَا تَقُلْ إنِّي قَدْ صَلَّيْتُ فَلَا أُصَلِّي» .

فَهَذَا عُمُومٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَلِمَنْ صَلَّاهَا فِي جَمَاعَةٍ أَوْ مُنْفَرِدًا لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِالدَّعْوَى بِلَا دَلِيلٍ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَأَخَذَ بِهَذَا جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ كَمَا رُوِّينَا عَنْ أَبِي ذَرٍّ: أَنَّهُ أَفْتَى بِذَلِكَ؛ وَكَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>