للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

احْتِجَاجِهِمْ بِهَذَا الْخَبَرِ، وَنَسُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الْوَقْتِ فَقَالُوا: يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْعَتَمَةَ مَعَ الْجَمَاعَةِ؛ فَأَجَازُوا لَهُ التَّطَوُّعَ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ لَا يُسَلِّمُ بَيْنَهَا؛ وَلَيْسَ ذَلِكَ مَثْنَى مَثْنَى، وَهَذَا تَنَاقُضٌ مِنْهُمْ.

وَالْحَقُّ فِي هَذَا هُوَ أَنَّ جَمِيعَ أَوَامِرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَقٌّ لَا يُضْرَبُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، بَلْ يُؤْخَذُ بِجَمِيعِهَا كَمَا هِيَ.

وَقَالُوا: إنَّ وَقْتَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ ضَيِّقٌ، وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ الَّتِي وَجَدَهَا تُصَلِّي، لَا شَكَّ فِي أَنَّهَا تُصَلِّي فِي وَقْتِ تِلْكَ الصَّلَاةِ بِلَا خِلَافٍ، فَمَا ضَاقَ وَقْتُهَا بَعْدُ، فَبَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ فِي تَخْصِيصِ الْمَغْرِبِ هُمْ وَالْحَنَفِيُّونَ مَعًا، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَأَمَّا تَخْصِيصُ الْمَالِكِيِّينَ بِأَنْ يُصَلِّيَ مَنْ صَلَّاهَا مُنْفَرِدًا فَخَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِتَخْصِيصِ ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا رَأْيٌ صَحِيحٌ، وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ فَضْلًا لِمَنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا فَإِنَّهَا أَفْضَلُ لِمَنْ يُصَلِّي فِي جَمَاعَةٍ، وَلَا فَرْقَ، وَفَضْلُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ قَائِمٌ فِي كُلِّ جَمَاعَةٍ يَجِدُهَا، وَلَا فَرْقَ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ لَا يَدْرِي أَيُّهُمَا صَلَاتُهُ فَخَطَأٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّهُ إنْ لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْجَمَاعَةِ الَّتِي وَجَدَهَا تُصَلِّي - غَيْرُ رَاغِبٍ عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ، فَإِذْ لَا خِلَافَ عِنْدَهُمْ فِي أَنَّهُ إنْ لَمْ يُصَلِّ فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ، وَلَا بُدَّ؛ فَلَا شَكَّ فِي أَنَّهَا نَافِلَةٌ إنْ صَلَّاهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ هِيَ صِفَةُ النَّافِلَةِ؛ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ إنْ شَاءَ صَلَّاهَا، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُصَلِّهَا.

وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو إذَا صَلَّى مَعَ الْجَمَاعَةِ وَقَدْ صَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ قَبْلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ نَوَى صَلَاتَهُ إيَّاهَا أَنَّهُ فَرْضُهُ، وَنَوَى ذَلِكَ أَيْضًا فِي الَّتِي صَلَّى فِي مَنْزِلِهِ، فَإِنْ كَانَ فَعَلَ هَذَا، فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَرَقَ الْإِجْمَاعَ؛ فِي أَنْ صَلَّى صَلَاةً وَاحِدَةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ؛ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَرْضُهُ الَّذِي أُمِرَ بِهِ، أَوْ يَكُونَ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي كِلْتَيْهِمَا؛ فَهَذَا لَمْ يُصَلِّ أَصْلًا.

وَلَا تَجْزِيهِ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ، وَهُوَ عَابِثٌ عَاصٍ؛ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ يَكُونَ نَوَى فِي الْأُولَى أَنَّهَا فَرْضُهُ وَفِي الثَّانِيَةِ أَنَّهَا نَافِلَةٌ أَوْ فِي الْأُولَى أَنَّهَا نَافِلَةٌ وَفِي الثَّانِيَةِ أَنَّهَا فَرْضُهُ، فَهُوَ كَمَا نَوَى، وَلَا يُمْكِنُ غَيْرُ هَذَا أَصْلًا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: الثَّانِيَةُ هِيَ فَرْضُهُ.

قَالَ عَلِيٌّ: وَالْحَقُّ فِي هَذَا: أَنَّهُ إنْ كَانَ مِمَّنْ لَهُ عُذْرٌ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ الْجَمَاعَةِ فَصَلَّى وَحْدُهُ، أَوْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ، فَالْأُولَى فَرْضُهُ بِلَا شَكٍّ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي

<<  <  ج: ص:  >  >>