يَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: ٤] {ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} [الطلاق: ٥] {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٦] إلَى قَوْله تَعَالَى {مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: ٦] الْآيَةَ.
كَمَا أَوْرَدْنَا وَنَحْنُ لَا نَخْتَلِفُ فِي أَنَّ هَذِهِ الْعِدَّةَ لِلْمَبْتُوتَةِ كَمَا هِيَ لِغَيْرِ الْمَبْتُوتَةِ، وَلَا فَرْقَ، فَوَجَبَ ضَرُورَةً أَنْ يَكُونَ قَوْله تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٦] أَرَادَ بِهِ تَعَالَى جَمِيعَ الْمُطَلَّقَاتِ مِنْ مَبْتُوتَةٍ وَرَجْعِيَّةٍ، أَوْ أَرَادَ أَحَدَ الْقِسْمَيْنِ، هَذَا مَا لَا شَكَّ فِيهِ.
فَإِنْ قُلْتُمْ: إنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ كِلَا الْقِسْمَيْنِ؟ قُلْنَا لَكُمْ: فَيَجِبُ عَلَى هَذَا أَنَّ غَيْرَ الْمَبْتُوتَةِ لَا نَفَقَةَ لَهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا، كَمَا قُلْتُمْ فِي الْمَبْتُوتَةِ وَلَا بُدَّ؛ لِأَنَّ النَّصَّ عِنْدَكُمْ فِيهِمَا جَمِيعًا - وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِكُمْ - فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ.
فَإِنْ قَالُوا: أَرَادَ الْمَبْتُوتَاتِ فَقَطْ؟ قُلْنَا: هَذَا خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَوَّلُهُمَا - أَنَّهُ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ، وَتَخْصِيصٌ لِلْقُرْآنِ بِلَا دَلِيلٍ، وَهَذَا لَا يَحِلُّ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي -: أَنَّ السُّنَّةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ صَحَّتْ فِي خَبَرِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ بِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى.
وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَحْكُمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلَافِ الْقُرْآنِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ نَسْخًا أَوْ مُضَافًا إلَى مَا فِي الْقُرْآنِ، وَلَيْسَ هَذَا مُضَافًا إلَى مَا فِي الْآيَةِ.
وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُقَالَ: هَذَا نَسْخٌ، إلَّا بِيَقِينٍ لَا بِالدَّعْوَى - فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ.
فَإِنْ قَالُوا: أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الرَّجْعِيَّاتِ فَقَطْ؟ قُلْنَا: صَدَقْتُمْ، وَهَذَا قَوْلُنَا وَبُرْهَانُنَا عَلَى ذَلِكَ -: خَبَرُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ وَأَوْجَبْنَا النَّفَقَةَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا - لَيْسَتْ بِحَامِلٍ -؛ لِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ يَرِثُهَا وَتَرِثُهُ بِلَا خِلَافٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute