للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَا نَدْرِي كَيْفَ هَذَا؟ وَأَيُّ امْتِنَاعٍ فِي أَنْ يَقُولَ: إذَا رَأَتْ جُمْهُورَ الْحَيْضَةِ وَفَوْرَهَا قَدْ أَخَذَ فِي الِانْحِطَاطِ فَقَدْ حَلَّتْ؛ لِأَنَّهُ بِلَا شَكٍّ قَدْ مَضَى نِصْفُ الْحَيْضَةِ؟ .

وَقَدْ قُلْنَا: لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -.

وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا خَلَا مِنْ الْمَسَائِلِ فِي كِتَابِنَا هَذَا قَبْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا قَالُوهُ مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ بِآرَائِهِمْ جُمْهُورَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بَلْ كُلُّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ قَوْلٌ مِمَّا لَا يُعْرَفُ أَنَّ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُمْ كَثِيرٌ جِدًّا -:

كَقَوْلِهِمْ فِيمَا يَحِلُّ بِهِ وَطْءُ الْحَائِضِ إذَا رَأَتْ الطُّهْرَ.

وَكَقَوْلِهِمْ فِي صِفَةِ الْإِحْدَادِ وَغَيْرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ جِدًّا؟ وَقَدْ قُلْنَا: لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ الْقُرْآنِ وَالثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -.

وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ حَدُّ الْأَمَةِ نِصْفَ حَدِّ الْحُرَّةِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ عِدَّتُهَا نِصْفَ عِدَّةِ الْحُرَّةِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ أَفْسَدَ قِيَاسٍ وَأَشَدَّ بُطْلَانًا لِمَا نُبَيِّنُهُ عَلَيْهِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَالْعَجَبُ فِيمَا رُوِيَ - وَلَمْ يَصِحَّ - عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيَجْعَلُونَ عَلَيْهَا نِصْفَ الْعَذَابِ وَلَا يَجْعَلُونَ لَهَا نِصْفَ الرُّخْصَةِ وَإِنَّ هَذَا لَبَعِيدٌ عَنْ رَجُلٍ مِنْ عُرْضِ النَّاسِ؟ فَكَيْفَ عَنْ مِثْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّهُ يُقَالُ لِقَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ وَمُصَوِّبِهِ: مَا نَحْنُ جَعَلْنَا عَلَيْهَا نِصْفَ الْعَذَابِ، وَلَا نَحْنُ نَجْعَلُ لَهَا نِصْفَ الرُّخْصَةِ، بَلْ اللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ عَلَيْهَا نِصْفَ الْعَذَابِ حَيْثُ شَاءَ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا نِصْفَ الرُّخْصَةِ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: ٦٤] .

ثُمَّ هَبْكَ لَوْ جَعَلْنَا نَحْنُ عَلَيْهَا نِصْفَ الْعَذَابِ - وَكَانَ ذَلِكَ مُبَاحًا لَنَا أَنْ نَجْعَلَهُ - فَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَجْعَلَ لَهَا نِصْفَ الرُّخْصَةِ؟ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ لَا نَظِيرَ لَهُ؟ .

وَأَمَّا فَسَادُ هَذَا الْقِيَاسِ - فَإِنَّ قِيَاسَ هَذِهِ الْعِدَّةِ عَلَى حَدِّ الزِّنَى فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا شَبَهَ بَيْنَ الزِّنَى الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ وَبَيْنَ مَوْتِ الزَّوْجِ وَطَلَاقِهِ، وَالْقِيَاسُ عِنْدَهُمْ بَاطِلٌ إلَّا عَلَى شَبَهٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>