للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيْنَ الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ - فَصَحَّ عَلَى أُصُولِهِمْ بُطْلَانُ هَذَا الْقِيَاسِ، فَكَيْفَ عِنْدَ مَنْ لَا يُجِيزُ الْقِيَاسَ أَصْلًا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

ثُمَّ فَسَادٌ آخَرُ - وَهُوَ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا الْقِيَاسَ عَلَى نِصْفِ الْحَدِّ فِي الْأَمَةِ وَهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ حَدَّ الْأَمَةِ فِي قَطْعِ السَّرِقَةِ كَحَدِّ الْحُرَّةِ، فَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ تُقَاسَ الْعِدَّةُ عِنْدَهُمْ عَلَى حَدِّ الزِّنَى دُونَ أَنْ يَقِيسُوهُ عَلَى السَّرِقَةِ؟

ثُمَّ هَلَّا قَاسُوا عِدَّةَ الْأَمَةِ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ بِالْأَقْرَاءِ وَبِالشُّهُورِ عَلَى مَا لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ مِنْ أَنَّ عِدَّتَهَا مِنْ كُلِّ ذَلِكَ - إنْ كَانَتْ حَامِلًا - كَعِدَّةِ الْحُرَّةِ، فَلَئِنْ صَحَّ الْقِيَاسُ يَوْمًا فَإِنَّ قِيَاسَ الْعِدَّةِ مِنْ الْوَفَاةِ وَالطَّلَاقِ عَلَى الْعِدَّةِ مِنْ الْوَفَاةِ وَالطَّلَاقِ لَا شَكَّ عِنْدَ مَنْ عِنْدَهُ أَدْنَى فَهْمٍ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِ الْعِدَّةِ عَلَى حَدِّ الزِّنَى فَلَاحَ فَسَادُ قِيَاسِهِمْ فِي ذَلِكَ، كَظُهُورِ الشَّمْسِ يَوْمَ صَحْوٍ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

ثُمَّ الْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ قِيَاسِ مَالِكٍ عِدَّةَ الْأَمَةِ مِنْ الْوَفَاةِ عَلَى عِدَّتِهَا عِنْدَهُ بِالْأَقْرَاءِ، ثُمَّ لَمْ يَقِسْ عِدَّةَ الْأَمَةِ بِالشُّهُورِ مِنْ الطَّلَاقِ عَلَى عِدَّتِهَا بِالشُّهُورِ مِنْ الْوَفَاةِ، بَلْ جَعَلَ عِدَّةَ الْأَمَةِ بِالشُّهُورِ مِنْ الطَّلَاقِ كَعِدَّةِ الْحُرَّةِ وَلَا فَرْقَ - وَهَذِهِ مُنَاقَضَاتٌ، وَأَقْوَالٌ فَاسِدَةٌ، لَا تَخْفَى عَلَى ذِي حَظٍّ مِنْ فَهْمٍ.

ثُمَّ عَجَبٌ آخَرُ - وَهُوَ أَنَّهُمْ جَعَلُوا عِدَّةَ الْأَمَةِ مِنْ الْوَفَاةِ نِصْفَ عِدَّةِ الْحُرَّةِ مِنْ الْوَفَاةِ - شَقَّ الْأُنْمُلَةِ - ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَجَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ عِدَّةَ الْأَمَةِ بِالشُّهُورِ مِنْ الطَّلَاقِ نِصْفَ عِدَّةِ الْحُرَّةِ بِالشُّهُورِ مِنْ الطَّلَاقِ، وَجَعَلَ مَالِكٌ عِدَّةَ الْأَمَةِ مِنْ الطَّلَاقِ بِالشُّهُورِ كَعِدَّةِ الْحُرَّةِ مِنْ الطَّلَاقِ بِالشُّهُورِ سَوَاءً سَوَاءً.

ثُمَّ جَعَلُوا ثَلَاثَتُهُمْ عِدَّةَ الْأَمَةِ بِالْأَقْرَاءِ ثُلُثَيْ عِدَّةِ الْحُرَّةِ بِالْأَقْرَاءِ، فَهَلْ فِي التَّلَاعُبِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا؟ مَرَّةً نِصْفَ عِدَّةِ الْحُرَّةِ، وَمَرَّةً مِثْلَ عِدَّةِ الْحُرَّةِ، وَمَرَّةً ثُلُثَيْ عِدَّةِ الْحُرَّةِ - كُلُّ هَذَا بِلَا قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ وَلَا قِيَاسٍ يُعْقَلُ.

وَكُلُّ هَذَا قَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ السَّلَفُ، وَقَبْلُ وَبَعْدُ فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ قَاسُوا قَوْلَهُمْ فِي عِدَّتِهَا بِالْأَقْرَاءِ ثُلُثَيْ عِدَّةِ الْحُرَّةِ - وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا عَلَى تَوْفِيقِهِ إيَّانَا لِلْحَقِّ وَتَيْسِيرِهِ لِلصَّوَابِ.

وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُهُمْ - إذْ قَاسُوا عِدَّةَ الْأَمَةِ عَلَى حَدِّهَا - أَنْ لَا يُوجِبُوا عَلَيْهَا إلَّا نِصْفَ

<<  <  ج: ص:  >  >>