وَقَالَ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: ٢٣٣] فَمَنْ ادَّعَى أَنَّ حَمْلًا وَفِصَالًا يَكُونُ فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ شَهْرًا: فَقَدْ قَالَ الْبَاطِلَ وَالْمُحَالَ، وَرَدَّ كَلَامَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ جِهَارًا.
وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَكُونُ الْحَمْلُ عَامَيْنِ، وَاحْتَجَّ لَهُ أَصْحَابُهُ بِحَدِيثٍ فِيهِ الْحَارِثُ بْنُ حَصِيرَةَ - وَهُوَ هَالِكٌ - أَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ وُلِدَ لِسَنَتَيْنِ - وَهَذَا كَذِبٌ وَبَاطِلٌ - وَابْنُ حَصِيرَةَ هَذَا شِيعِيٌّ يَقُولُ بِرَجْعَةِ عَلِيٍّ إلَى الدُّنْيَا.
وَذَكَرُوا أَيْضًا - مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أَشْيَاخٍ لَهُمْ عَنْ عُمَرَ: أَنَّهُ رُفِعَ إلَيْهِ امْرَأَةٌ غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا سَنَتَيْنِ فَجَاءَ - وَهِيَ حُبْلَى - فَهَمَّ عُمَرُ بِرَجْمِهَا، فَقَالَ لَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنْ يَكُ السَّبِيلُ لَك عَلَيْهَا، فَلَا سَبِيلَ لَك عَلَى مَا فِي بَطْنِهَا؟ فَتَرَكَهَا عُمَرُ حَتَّى وَلَدَتْ غُلَامًا - قَدْ نَبَتَتْ ثَنَايَاهُ - فَعَرَفَ زَوْجُهَا شَبَهَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: عَجَزَ النِّسَاءُ أَنْ تَكُونَ مِثْلَ مُعَاذٍ، لَوْلَا مُعَاذٌ هَلَكَ عُمَرُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا أَيْضًا بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - عَنْ أَشْيَاخٍ لَهُمْ، وَهُمْ مَجْهُولُونَ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا دَاوُد بْنُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ جَمِيلَةَ بِنْتِ سَعْدٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: مَا تَزِيدُ الْمَرْأَةُ فِي الْحَمْلِ عَلَى سَنَتَيْنِ قَدْرَ مَا يَتَحَوَّلُ ظِلُّ هَذَا الْمِغْزَلِ - جَمِيلَةُ بِنْتُ سَعْدٍ مَجْهُولَةٌ: لَا يُدْرَى مَنْ هِيَ؟ فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَكُونُ الْحَمْلُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ -: رُوِّينَاهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - وَلَا نَعْلَمُ لِهَذَا الْقَوْلِ شُبْهَةً تَعَلَّقُوا بِهَا أَصْلًا.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَكُونُ الْحَمْلُ خَمْسَ سِنِينَ وَلَا يَكُونُ أَكْثَرَ أَصْلًا - وَهُوَ قَوْلُ عَبَّادِ بْنِ الْعَوَّامِ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ - وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا - وَلَا نَعْلَمُ لِهَذَا الْقَوْلِ مُتَعَلَّقًا أَصْلًا.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَكُونُ الْحَمْلُ سَبْعَ سِنِينَ وَلَا يَكُونُ أَكْثَرَ - وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَاحْتَجَّ مُقَلِّدُوهُ: بِأَنَّ مَالِكًا وُلِدَ لِثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute