للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَضَاعًا، إنَّمَا هُوَ حَلْبٌ وَطَعَامٌ وَسِقَاءٌ، وَشُرْبٌ وَأَكْلٌ وَبَلْعٌ، وَحُقْنَةٌ وَسَعُوطٌ وَتَقْطِيرٌ، وَلَمْ يُحَرِّمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَذَا شَيْئًا.

فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الرَّضَاعِ وَالْإِرْضَاعِ؟

قُلْنَا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، وَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ، وَبِالضَّرُورَةِ يَدْرِي كُلُّ ذِي فَهْمٍ أَنَّ الرَّضَاعَ مِنْ شَاةٍ أَشْبَهَ بِالرَّضَاعِ مِنْ امْرَأَةٍ؛ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا رَضَاعٌ مِنْ الْحُقْنَةِ بِالرَّضَاعِ، وَمِنْ السَّعُوطِ بِالرَّضَاعِ، وَهُمْ لَا يُحَرِّمُونَ بِغَيْرِ النِّسَاءِ - فَلَاحَ تَنَاقُضُهُمْ فِي قِيَاسِهِمْ الْفَاسِدِ، وَشَرْعُهُمْ بِذَلِكَ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -:

فَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: لَا يُحَرِّمُ السَّعُوطُ بِلَبَنِ الْمَرْأَةِ وَلَا يُحَرِّمُ أَنْ يُسْقَى الصَّبِيُّ لَبَنَ الْمَرْأَةِ فِي الدَّوَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرَضَاعٍ، إنَّمَا الرَّضَاعُ مَا مُصَّ مِنْ الثَّدْيِ.

هَذَا نَصُّ قَوْلِ اللَّيْثِ، وَهَذَا قَوْلُنَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَرْسَلْت إلَى عَطَاءٍ أَسْأَلُهُ عَنْ سَعُوطِ اللَّبَنِ لِلصَّغِيرِ وَكُحْلِهِ بِهِ أَيُحَرِّمُ؟ قَالَ: مَا سَمِعْت أَنَّهُ يُحَرِّمُ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: لَا يُحَرِّمُ الْكُحْلُ لِلصَّبِيِّ بِاللَّبَنِ، وَلَا صَبُّهُ فِي الْعَيْنِ أَوْ الْأُذُنِ، وَلَا الْحُقْنَةُ بِهِ، وَلَا مُدَاوَاةُ الْجَائِفَةِ بِهِ، وَلَا الْمَأْمُومَةِ بِهِ، وَلَا تَقْطِيرُهُ فِي الْإِحْلِيلِ؟

قَالُوا: فَلَوْ طُبِخَ طَعَامٌ بِلَبَنِ امْرَأَةٍ حَتَّى صَارَ مَرَقَةً نَضِجَةً، وَكَانَ اللَّبَنُ ظَاهِرًا فِيهَا غَالِبًا عَلَيْهَا بِلَوْنِهِ وَطَعْمِهِ، فَأَطْعَمَهُ صَغِيرًا لَمْ يُحَرِّمْ ذَلِكَ عَلَيْهِ نِكَاحَ الَّتِي اللَّبَنُ مِنْهَا، وَلَا نِكَاحَ بَنَاتِهَا.

وَكَذَلِكَ لَوْ ثُرِدَ لَهُ خُبْزٌ فِي لَبَنِ امْرَأَةٍ فَأَكَلَهُ كُلَّهُ لَمْ يَقَعْ بِذَلِكَ تَحْرِيمٌ أَصْلًا فَلَوْ شَرِبَهُ كَانَ مُحَرَّمًا كَالرَّضَاعِ.

وَأَمَّا الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: السَّعُوطُ وَالْوَجُورُ يُحَرِّمَانِ كَتَحْرِيمِ الرَّضَاعِ.

وَقَدْ تَنَاقَضُوا فِي هَذَا عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَرُوِّينَا عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ السَّعُوطَ وَالْوَجُورَ يُحَرِّمَانِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>