للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَغِيرَةً لِأَبِي لُؤْلُؤَةَ وَكَانَتْ تَدَّعِي الْإِسْلَامَ - فَأَشَارَ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى عُثْمَانَ بِقَتْلِهِ؟ قَالُوا: فَظَاهِرُ الْأَمْرِ أَنَّهُمْ أَشَارُوا بِقَتْلِهِ بِهِمْ ثَلَاثَتِهِمْ. وَقَالُوا: كَمَا لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمُسْلِمَ يُقْطَعُ إنْ سَرَقَ مِنْ مَالِ الذِّمِّيِّ، وَالْمُسْتَأْمَنِ، فَقَتْلُهُ بِهِمَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الدَّمَ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنْ الْمَالِ، وَقَالُوا لَنَا خَاصَّةً: أَنْتُمْ تَحُدُّونَ الْمُسْلِمَ إنْ قَذَفَ الذِّمِّيَّ، وَالْمُسْتَأْمَنَ، وَتَمْنَعُونَ مِنْ قَتْلِهِ بِقَتْلِهِ لَهُمَا - وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا؟ وَاحْتَجُّوا عَلَى الشَّافِعِيِّينَ بِقَوْلِهِمْ: إنْ قَتَلَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ عِنْدَكُمْ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَتْلِكُمْ مُسْلِمًا بِكَافِرٍ، وَبَيْنَ قَتْلِكُمْ مُسْلِمًا بِكَافِرٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُخْرَى؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَكُلُّ هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ: أَمَّا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥] فَإِنَّ هَذَا مِمَّا كَتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي التَّوْرَاةِ، وَلَا تَلْزَمُنَا شَرَائِعُ مَنْ قَبْلَ نَبِيِّنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ أَنَّنَا مُلْزَمُونَ ذَلِكَ لَكَانَ الْقَوْلُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ كَالْقَوْلِ فِي الْآيَاتِ الْأُخَرِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا بَعْدَهَا، وَفِي الْأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ الَّتِي أَوْرَدْنَا، وَفِيهَا «أَوْ نَفْسٌ بِنَفْسٍ» .

وَأَيْضًا - فَفِي آخِرِ هَذِهِ الْآيَةِ بَيَانُ أَنَّهَا فِي الْمُؤْمِنِينَ بِالْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي آخِرِهَا: {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: ٤٥] وَلَا خِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فِي أَنَّ صَدَقَةَ الْكَافِرِ عَلَى وَلِيِّ الْكَافِرِ الذِّمِّيِّ الْمَقْتُولِ عَمْدًا لَا تَكُونُ كَفَّارَةً لَهُ - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤] فَإِنَّ الْخِطَابَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ لِلْمُؤْمِنِينَ لَا لِلْكَافِرِينَ، فَالْمُؤْمِنُونَ هُمْ الْمُخَاطَبُونَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ، وَآخِرِهَا بِأَنْ يَعْتَدُوا عَلَى مَنْ اعْتَدَى عَلَيْهِمْ، بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى بِهِ عَلَيْهِمْ - وَلَيْسَ فِيهَا: أَنْ يَعْتَدِيَ غَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِاعْتِدَاءٍ يَكُونُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ أَصْلًا.

وَإِنَّمَا وَجَبَ الْقِصَاصُ مِنْ الذِّمِّيِّ لِلذِّمِّيِّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: ٤٩] لَا بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ.

وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: ٤٠] فَهُوَ أَيْضًا فِي الْمُؤْمِنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>