للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَذَا عَجَبٌ جِدًّا، أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ: كَذَّابٌ مَشْهُورٌ؟ ثُمَّ لَوْ رَوَاهُ أَيُّوبُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ لَمَا كَانَتْ فِيهِ شُبْهَةٌ يَتَعَلَّقُ بِهَا مُخَالِفٌ لِلْحَقِّ؛ لِأَنَّهُ إمَّا رَأَى مَا رَآهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فَهُوَ كَسَائِرِ الْآرَاءِ، لَا يُعْتَرَضُ بِهَا عَلَى السُّنَنِ، وَلَا كَرَامَةَ - وَإِمَّا سَمِعَهُ مِمَّنْ لَا يُدْرَى [مَنْ هُوَ] فَهَذَا أَبْعَدُ لَهُ مِنْ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ.

ثُمَّ لَوْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ لَكَانَ هَذَا خَبَرًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ، كَوَضْعِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دِمَاءَ الْجَاهِلِيَّةِ فِي " حَجَّةِ الْوَدَاعِ " وَكَانَ مَا فِي صَحِيفَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ خَبَرًا آخَرَ قَائِمًا بِنَفْسِهِ لَا يَحِلُّ تَخْصِيصُهُ بِذَلِكَ الْخَبَرِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ فَاسِدٌ بِلَا بُرْهَانَ، وَدَعْوَى بِلَا بِدَلِيلٍ، وَضَرْبٌ لِلسُّنَنِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، كَمَنْ أَبَاحَ أَكْلَ الْخِنْزِيرِ، وَشُرْبَ الْخَمْرِ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} [البقرة: ١٨٧] وَلَا فَرْقَ.

وَقَالُوا أَيْضًا: قَدْ رَوَيْتُمْ هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ، قَالَ: أَنَا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ فَمَنْ قَتَلَ مُتَعَمِّدًا دُفِعَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوهُ وَإِنْ شَاءُوا أَخَذُوا الدِّيَةَ» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:

حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ صَحِيفَةٌ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهَا وَهِيَ مَمْلُوءَةٌ مَنَاكِيرَ.

ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهَا حُجَّةٌ، بَلْ كَانَتْ تَكُونُ حُجَّةً لَنَا عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ فِيهَا أَنْ لَا يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، فَهَذِهِ قَضِيَّةٌ صَحِيحَةٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا وَهِيَ قَوْلُنَا.

ثُمَّ فِيهَا حُكْمُ مَنْ قُتِلَ عَمْدًا فَلَوْ دَخَلَ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ الْمُؤْمِنُ يَقْتُلُ الذِّمِّيَّ عَمْدًا لَكَانَتْ مُخَالِفَةً لِلْحُكْمِ الَّذِي قَبْلَهَا - وَهَذَا بَاطِلٌ - فَلَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ بِلَا شَكٍّ فِي الْمُؤْمِنِ يَقْتُلُ الْمُؤْمِنَ عَمْدًا، لَا فِيمَا قَدْ أَبْطَلَهُ قَبْلُ مِنْ أَنْ يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ.

وَقَالُوا: مَعْنَاهُ لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ، أَوْ إذَا قَتَلَهُ خَطَأً، فَكَانَ هَذَا مِنْ أَسْخَفِ مَا أَتَوْا بِهِ، وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَظُنَّ هَذَا ذُو مِسْكَةِ عَقْلٍ، وَنَحْنُ مَنْدُوبُونَ إلَى قَتْلِ الْحَرْبِيِّينَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>