للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَوْعُودُونَ عَلَى قَتْلِهِمْ بِأَعْظَمِ الْأَجْرِ، أَيُمْكِنُ أَنْ يَظُنَّ مَنْ بِهِ طَبَاخٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ هَذَا الْحَالِ وَأَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْجِهَادِ يَتَكَلَّفُ أَنْ يُخْبِرَنَا أَنَّنَا لَا نُقْتَلُ بِالْحَرْبِيِّينَ إذَا قَتَلْنَاهُمْ، مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ؟ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِهِمْ السَّخِيفِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَرَادَ أَنْ لَا يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ إذَا قَتَلَهُ خَطَأً - هَذَا وَاَللَّهِ يَقِينُ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُوجِبِ لِلنَّارِ، وَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَسَعَ هَذَا فِي دِمَاغِ مَنْ بِهِ مِسْكَةُ عَقْلٍ أَنْ يَكُونَ مُذْ بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَدْ أَمِنَّا أَنْ يُقْتَلَ مِنَّا أَحَدٌ بِأَلْفِ كَافِرٍ قَتَلَهُمْ خَطَأً ثُمَّ يَتَكَلَّفُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إخْبَارَنَا بِأَنْ لَا يُقْتَلَ الْمُؤْمِنُ بِكَافِرٍ قَتَلَهُ خَطَأً ثُمَّ لَا يُبَيِّنُ لَنَا ذَلِكَ إلَّا بِكَلَامٍ مُجْمَلٍ لَا يَفْهَمُ أَحَدٌ مِنْهُ هَذَا الْمَعْنَى، إنَّمَا يَأْتِي بِهِ الْمُتَكَلِّفُونَ لِنَصْرِ الْبَاطِلِ، وَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي أُعْطِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَأَمَرَهُ رَبُّهُ تَعَالَى بِالْبَيَانِ لَنَا: فَلَا، وَلَا كَرَامَةَ، لَقَدْ نَزَّهَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ هَذَا وَبَاعَدَهُ عَنْ أَنْ يَظُنَّ بِهِ ذَلِكَ مُسْلِمٌ.

وَقَالُوا فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، إنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِكَافِرٍ - وَقَدْ صَحَّ - بِلَا خِلَافٍ - وُجُوبُ قَتْلِ الْمُعَاهَدِ بِالذِّمِّيِّ.

فَصَحَّ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِالْكَافِرِ: الْحَرْبِيَّ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذَا كَذِبٌ آخَرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُوجِبٌ لِصَاحِبِهِ وُلُوجَ النَّارِ وَاللَّعْنَةَ، إذْ تَحَكَّمُوا فِي كَلَامِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِلَا دَلِيلٍ، وَلَيْسَ إذَا وُجِدَ نَصٌّ قَدْ قَامَ الْبُرْهَانُ: بِأَنَّ فِيهِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا وَجَبَ أَنْ يَحْكُمَ فِي نَصٍّ آخَرَ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ بِلَا دَلِيلٍ، كَمَا أَنَّهُ إذْ وُجِدَ نَصٌّ مَنْسُوخٌ لَمْ يَحِلَّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ فِي نَصٍّ آخَرَ لَمْ يَأْتِ دَلِيلٌ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ: هَذَا مَنْسُوخٌ - هَذِهِ صِفَةُ الْكَذَّابِينَ الْفُسَّاقِ الْمُفْتَرِينَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَعَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْكَذِبِ.

وَقَالُوا: إنَّ الشَّعْبِيَّ هُوَ أَحَدُ رُوَاةِ ذَلِكَ الْخَبَرِ وَهُوَ يَرَى قَتْلَ الْمُؤْمِنِ بِالذِّمِّيِّ؟ فَقُلْنَا: هَذَا لَمْ يَصِحَّ قَطُّ عَنْ الشَّعْبِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ إلَّا ابْنُ أَبِي لَيْلَى - وَهُوَ سَيِّئُ الْحِفْظِ، وَدَاوُد بْنُ يَزِيدَ الزَّغَافِرِيُّ - وَهُوَ سَاقِطٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>