للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا هُوَ السَّبِيلُ الَّذِي مَنَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَّا، وَلَمْ يَجْعَلْهَا لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ - وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ، لَيْسَ هُوَ مِنْ حُقُوقِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ الْمَالُ، وَلَا لَهُ طَلَبُهُ دُونَ غَيْرِهِ، وَلَا لَهُ الْعَفْوُ عَنْهُ، إنَّمَا هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ بِهِ - شَاءَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ أَوْ أَبَى - فَلَا سَبِيلَ فِيهِ لِلذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ أَصْلًا.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّا نَحُدُّ الْمُسْلِمَ إذَا قَذَفَ الذِّمِّيَّ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَكَذَلِكَ نَحُدُّهُ إذَا قَذَفَ الْحَرْبِيَّ وَلَا فَرْقَ، لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ كِلَا الْأَمْرَيْنِ حَقًّا لِلذِّمِّيِّ، وَلَا لِلْمَقْذُوفِ، وَلَا لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَلَا لَهُمَا الْعَفْوُ عَنْهُ، وَلَا طَلَبُهُ دُونَ سَائِرِ النَّاسِ.

إنَّمَا الْحَدُّ فِي الْقَذْفِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَمَرَ بِهِ - كَمَا هُوَ الْحَدُّ فِي الْخَمْرِ لِذِمِّيٍّ - كَانَتْ - أَوْ لِحَرْبِيٍّ، وَلَا فَرْقَ.

فَإِنْ قَالُوا: إنَّكُمْ تُغَرِّمُونَ الْمُسْلِمَ الْمَالَ إذَا وَجَبَ لِلذِّمِّيِّ قِبَلَهُ، وَتَأْخُذُونَهُ مِنْ الْمُسْلِمِ بِالسَّجْنِ وَالْأَدَبِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ؟

قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْقَوَدِ وَالْقِصَاصِ فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمَالَ الْمَأْخُوذَ بِغَيْرِ حَقٍّ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَى آخِذِهِ - كَائِنًا مَنْ كَانَ - وَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ، فَإِنَّمَا هُوَ بَاطِلٌ مَنَعْنَاهُ مِنْهُ، وَأَزَلْنَاهُ عَنْ يَدِهِ، كَمَا نَمْنَعُهُ مِنْ قَتْلِ الذِّمِّيِّ بِلَا حَقٍّ وَلَا فَرْقَ.

وَلَوْ قَدَرْنَا عَلَى تَكْلِيفِهِ إحْيَاءَ الذِّمِّيِّ الَّذِي قَتَلَ لَفَعَلْنَا ذَلِكَ بِهِ، فَإِذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، إلَّا الْأَدَبُ؛ لِتَعَدِّيهِ إلَى مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فَقَطْ كَمَا نُؤَدِّبُهُ فِي غَصْبِهِ مَالَهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَدِّهِ، وَلَا عَلَى إنْصَافِهِ فَقَطْ، وَلَيْسَ كُلُّ مُتَعَدٍّ إلَى مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَلْزَمُهُ قَتْلٌ وَلَا قَطْعُ عُضْوٍ وَلَا قِصَاصٌ.

وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ عَلَى مَنْ قَالَ: إذَا قَتَلَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ الْقَاتِلُ: فَالْقَوَدُ عَلَيْهِ بَاقٍ - فَقَدْ أَخْطَأَ هَذَا الْقَائِلُ، بَلْ قَدْ سَقَطَ الْقَوَدُ وَالْقِصَاصُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَتْلُ مُؤْمِنٍ بِكَافِرٍ، وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

ثُمَّ يُعْكَسُ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْقِيَاسَاتُ الْفَاسِدَةُ فَيُقَالُ لَهُمْ: كَمَا لَا تَحُدُّونَ أَنْتُمْ الْمُسْلِمَ إذَا قَذَفَ الذِّمِّيَّ، وَتَحُدُّونَ الذِّمِّيَّ إذَا قَذَفَ الْمُسْلِمَ، فَكَذَلِكَ اُقْتُلُوا الذِّمِّيَّ بِالْمُسْلِمِ، وَلَا تَقْتُلُوا الْمُسْلِمَ بِالذِّمِّيِّ - وَهَذَا أَصَحُّ قِيَاسٍ يَكُونُ - لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا - لِأَنَّهَا حُرْمَةٌ وَحُرْمَةٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>