فَالْقَطْعُ بِأَنَّهُ قَوْلُهُ حُكْمٌ بِالظَّنِّ، وَالظَّنُّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْلِ مَنْ دُونَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، وَقَدْ يَقْضِي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا فِي دَيْنٍ، أَوْ فِي دِيَةٍ بِتَرَاضِي الْغَارِمِ وَالْمَقْضِيِّ لَهُ، فَإِنْ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ بَيَانُ أَنَّهُ قَضَاءٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَنَّ الدِّيَةَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ - فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْحَمَ فِي الْخَبَرِ مَا لَيْسَ فِيهِ.
وَالْقَوْلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالظَّنِّ كَذِبٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا يُوجِبُ النَّارَ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِمَّا أَدَّى إلَيْهَا.
وَاَلَّذِي رَوَاهُ مَشَاهِيرُ أَصْحَابِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ فَإِنَّمَا هُوَ عَنْ عِكْرِمَةَ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ، كَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: «قَتَلَ مَوْلَى لِبَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي دِيَتِهِ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا» وَالْمُرْسَلُ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ.
وَذَكَرُوا أَيْضًا - مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَأَنْ أَجْلِسَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعَصْرِ إلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتِقَ ثَمَانِيَةً مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ دِيَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا» .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ.
وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَرَأَ بِخَمْسِمِائَةٍ إلَى أَلْفِ آيَةٍ أَصْبَحَ وَلَهُ قِنْطَارٌ فِي الْآخِرَةِ، وَالْقِنْطَارُ دِيَةُ أَحَدِكُمْ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا» .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَذَا مُرْسَلٌ، وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ إلَّا أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ نَقَضُوا هَاهُنَا أُصُولَهُمْ أَقْبَحَ نَقْضٍ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: الْمُرْسَلُ وَالْمُسْنَدُ سَوَاءٌ، وَكِلَاهُمَا أَوْلَى مِنْ النَّظَرِ، وَتَرَكُوا هَاهُنَا هَذِهِ الْمَرَاسِيلَ، وَهُمْ يَحْتَجُّونَ فِي نَصْرِ رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ بِمِثْلِهَا، وَبِأَسْقَطَ مِنْهَا.
فَصَحَّ أَنَّهُمْ مُتَلَاعِبُونَ لَا تَحْقِيقَ عِنْدَهُمْ إلَّا فِي نَصْرِ رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي رَضُوا بِهِ بَدَلًا مِنْ الْقُرْآنِ، وَمِنْ بَيَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute