وَقَالُوا: لَعَلَّ هَذِهِ الْآثَارَ إنَّمَا أَرَادَ فِيهَا بِذِكْرِ الِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا أَنَّهَا وَزْنُ كُلِّ عَشَرَةٍ مِنْهَا وَزْنُ سِتَّةِ مَثَاقِيلَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذَا مِنْ أَسْخَفِ كَلَامٍ فِي الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ عِنْدَهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّهَا وَزْنُ سَبْعَةِ آلَافِ مِثْقَالٍ.
وَلَا يَخْتَلِفُ الْمَالِكِيُّونَ فِي أَنَّ الِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ هِيَ وَزْنُ ثَمَانِيَةِ آلَافِ مِثْقَالٍ وَأَرْبَعُمِائَةٍ، فَعَادَ قَوْلُهُمْ: وَزْنُ سِتَّةِ مَثَاقِيلَ فِي الْعَشَرَةِ هَذَيَانًا لَمْ يُعْقَلْ قَطُّ قَدِيمًا وَلَا حَدِيثًا.
وَشَغَبَ الْمَالِكِيُّونَ أَيْضًا بِخَبَرٍ -: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ الْخَرَّازُ أَنَا عَفِيفُ بْنُ سَالِمٍ الْمَوْصِلِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُؤَمَّلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ قَالَتْ: كَانَ جَانٌّ يَطْلُعُ عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَخَرَجَتْ عَلَيْهِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، فَأَبَى إلَّا أَنْ يَظْهَرَ فَعَدَتْ عَلَيْهِ بِحَدِيدَةٍ فَقَتَلَتْهُ، فَأُتِيَتْ فِي مَنَامِهَا، فَقِيلَ لَهَا: أَقَتَلْت فُلَانًا، أَمَا إنَّهُ قَدْ كَانَ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ لَا يَطْلُعُ عَلَيْك لَا حَاسِرًا وَلَا مُتَجَرِّدًا إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ حَدِيثَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخَذَهَا مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِأَبِيهَا؟ فَقَالَ: تَصَدَّقِي بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ دِيَتِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَذَا لَا شَيْءَ - عَفِيفُ بْنُ سَالِمٍ مَجْهُولٌ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ؟ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمَّلِ هُوَ الْمَكِّيُّ: ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ.
وَأَشْبَهَ مَا فِي هَذَا الْبَابِ - فَخَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ أَنَا أَبُو يُونُسَ حَاتِمُ بْنُ أَبِي صَغِيرَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَتَلَتْ جَانًّا، فَأُتِيَتْ فِي مَنَامِهَا، وَقِيلَ لَهَا: وَاَللَّهِ لَقَدْ قَتَلْتِهِ مُسْلِمًا؟ قَالَتْ: لَوْ كَانَ مُسْلِمًا لَمْ يَدْخُلْ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقِيلَ: أَوَ كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْك إلَّا وَعَلَيْك ثِيَابُك؟ فَأَصْبَحَتْ فَزِعَةً، فَأَمَرَتْ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَجَعَلَتْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّهَا قَصَدَتْ بِذَلِكَ قَصْدَ دِيَةٍ وَجَبَتْ عَلَيْهَا، فَزِيَادَةُ ذَلِكَ عَلَيْهَا كَذِبٌ لَا يَحِلُّ، وَإِنَّمَا هِيَ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَتْ بِهَا.
وَلَا يَخْتَلِفُ الْمَالِكِيُّونَ فِي أَنَّ الْقَتْلَ لَيْسَ إلَّا عَمْدًا أَوْ خَطَأً، فَإِنْ كَانَ قَتْلُهَا لَهُ خَطَأً فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهَا كَفَّرَتْ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ - وَهِيَ الْمُفْتَرَضَةُ فِي الْقُرْآنِ - لَا الِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute