الْحَارِثِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي الْعَوْجَاءِ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أُصِيبَ بِقَتْلٍ أَوْ خَبْلٍ فَإِنَّهُ يَخْتَارُ إحْدَى ثَلَاثٍ: إمَّا أَنْ يَقْتَصَّ، وَإِمَّا أَنْ يَعْفُوَ، وَإِمَّا أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ. فَإِنْ أَرَادَ الرَّابِعَةَ فَخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ فَإِنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ» .
نا حُمَامٌ نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا حَبِيبُ بْنُ خَلَفٍ نا أَبُو ثَوْرٍ إبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الْعَوْجَاءِ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أُصِيبَ بِقَتْلٍ أَوْ خَبْلٍ - يَعْنِي جِرَاحًا - فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إنْ أَحَبَّ أَنْ يَعْفُوَ عَفَا، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ أَخَذَ» .
قُلْنَا: هَذَا لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ إلَّا سُفْيَانُ بْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ السُّلَمِيُّ، وَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ وَلَا يُعْرَفُ عَنْهُ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ، فَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ مُنْشَرِحَةً صُدُورُنَا بِذَلِكَ، وَلَمَا تَرَكْنَاهُ لِقَوْلِ أَحَدٍ، وَأَمَّا إذْ لَمْ يَصِحَّ فَلَا يَجُوزُ الْأَخْذُ بِهِ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَى جَمِيعِ الْحَاضِرِينَ وَمُخَالِفًا لِقَوْلِهِمْ، لِأَنَّهُ إنَّمَا جَاءَ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ وَفِيهِ الْقِصَاصُ مِنْهَا جُمْلَةً لَمْ يَسْتَثْنِ شَيْئًا، وَكُلُّهُمْ لَا يَرَى الْقَوَدَ مِنْهَا، فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ، وَجُمْهُورُهُمْ لَا يَرَى الْقَوَدَ مِنْهَا، إلَّا فِي الْمُوضِحَةِ فَقَطْ فَقَدْ خَالَفُوا هَذَا الْحَدِيثَ كَمَا تَرَى.
وَأَيْضًا - إنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْعَمْدِ فَقَطْ كَمَا ذَكَرْنَا، لِأَنَّ فِيهِ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الْقَوَدِ وَالدِّيَةِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأَمَةِ فِي أَنَّ الْقَوَدَ لَيْسَ إلَّا فِي الْعَمْدِ فَقَطْ وَفِيهِ الْخِيَارُ فِي الدِّيَةِ فِي الْعَمْدِ - وَكُلُّهُمْ أَوْ جُمْهُورُهُمْ لَا يَرَى فِي قَطْعِ الْأَعْضَاءِ فِي الْعَمْدِ إلَّا الْقَوَدَ فَقَطْ - وَقَدْ خَالَفُوا هَذَا الْخَبَرَ فِي هَذَا الْوَجْهِ.
وَأَيْضًا - فَإِنَّ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ لَا يَرَوْنَ خِيَارًا فِي قَوَدٍ أَوْ دِيَةٍ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ.
وَأَيْضًا - إنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حُكْمُ شَيْءٍ مِنْ جِرَاحِ الْخَطَأِ، فَلَوْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ لَكَانَ وِفَاقُهُ لَنَا أَكْثَرَ مِنْ وِفَاقِهِ لَهُمْ، وَلَكَانُوا مُخَالِفِينَ لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَبَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ فِي هَذَا الْبَابِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute