فَأَمَّا جِنَايَاتُ الْعَمْدِ وَجِرَاحِهِ فَإِنَّ مَالِكًا لَا يَرَى فِيهَا جُمْلَةً، إلَّا الْقَوَدَ أَوْ الْعَفْوَ فَقَطْ، وَلَا يَرَى فِيهَا دِيَةً، فَاتَ الْقَوَدُ أَوْ لَمْ يَفُتْ، إلَّا فِي قَلِيلٍ مِنْهَا فَيَرَى فِيهَا الدِّيَةَ لِامْتِنَاعِ الْقَوَدِ وَيَرَى فِي سَائِرِ جِرَاحَاتِ الْخَطَأِ الدِّيَةَ إلَّا قَلِيلًا مِنْهَا فَإِنَّهُ لَا يَرَى فِيهَا دِيَةً لَكِنْ حُكُومَةً - وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ، وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ، إلَّا فِي فُرُوعٍ اخْتَلَفُوا فِيهَا نُبَيِّنُهَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ أَصْحَابِنَا، وَبِهِ نَأْخُذُ، إلَّا أَنَّنَا لَا نَرَى فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ دِيَةً، وَلَا حُكُومَةً - أَمْكَنَ الْقَوَدُ، أَوْ لَمْ يُمْكِنْ - إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِهِ نَصٌّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ يَثْبُتَ بِهِ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ، وَحَتَّى لَوْ غَابَ عَنَّا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إجْمَاعٌ لَمْ نَعْلَمْهُ، لَكِنَّا بِلَا شَكٍّ عِنْدَ اللَّهِ أَعْذَرُ وَأَسْلَمُ وَأَخْلَصُ، إذْ لَمْ نَقْتَحِمْ مَا لَمْ نَدْرِ وَلَمْ نَقِفْ مَا لَيْسَ لَنَا بِهِ عِلْمٌ مِمَّا لَوْ عَلِمْنَاهُ لَقُلْنَا بِهِ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَنَحْنُ ذَاكِرُونَ الْآنَ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ ثُمَّ مَا جَاءَ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فِي ذَلِكَ، ثُمَّ مَا جَاءَ عَنْ التَّابِعِينَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ، ثُمَّ مَا تَيَسَّرَ مِنْ أَقْوَالِ الْفُقَهَاءِ بَعْدَهُمْ، إذْ الْعُمْدَةُ فِي الدِّينِ بَعْدَ الْقُرْآنِ وَحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا هُوَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَاخْتِلَافُهُمْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَنْ بَعْدَهُمْ؛ وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا عَفَّانُ - هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ - نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ نا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ أُخْتَ الرُّبَيِّعِ أُمَّ حَارِثَةَ جَرَحَتْ إنْسَانًا فَاخْتَصَمُوا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقِصَاصُ الْقِصَاصُ. فَقَالَتْ أُمُّ الرَّبِيعِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُقْتَصُّ مِنْ فُلَانَةَ؟ وَاَللَّهِ لَا يُقْتَصُّ مِنْهَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُبْحَانَ اللَّهِ يَا أُمَّ الرَّبِيعِ، الْقِصَاصُ كِتَابُ اللَّهِ، قَالَتْ: لَا، وَاَللَّهِ لَا يُقْتَصُّ مِنْهَا أَبَدًا، قَالَ: فَمَا زَالَتْ حَتَّى قَبِلُوا الدِّيَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ» .
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السَّلِيمِ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا أَبُو دَاوُد نا مُسَدَّدٌ نا الْمُعْتَمِرُ - هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ - عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «كَسَرَتْ الرُّبَيِّعُ أُخْتُ أَنَسِ بْنِ النَّضْرِ ثَنِيَّةَ امْرَأَةٍ، فَأَتَوْا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَضَى بِكِتَابِ اللَّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute