قَالَ: «أُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَجُلٍ قَتَلَ عَبْدَهُ مُتَعَمِّدًا، فَجَلَدَهُ مِائَةً، وَنَفَاهُ سَنَةً، وَمَحَا سَهْمَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يُقِدْ مِنْهُ.»
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا لَهُمْ شُبْهَةٌ غَيْرَ هَذَا إلَّا مَا ذَكَرْنَا آنِفًا فِي صَدْرِ هَذَا الْبَابِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكُلُّ هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ.
أَمَّا تَشْنِيعُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان: ٦٨] الْآيَةَ. وَتَنْظِيرُهُمْ مَا يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ بِمَا يَجِبُ عَلَى الزَّانِي فَفَاسِدٌ جِدًّا وَتَحْرِيفٌ لِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُكْمُهُ عَنْ مَوَاضِعِهِ خَطَأٌ بَحْتٌ مِنْ عِدَّةِ وُجُوهٍ:
أَوَّلُهَا - أَنَّهُ قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ.
وَالثَّانِي - أَنَّهُ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُسَوِّ قَطُّ بَيْنَ الْقَاتِلِ وَالزَّانِي فِي الْحُكْمِ، وَإِنَّمَا سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي وَعِيدِ الْآخِرَةِ فَقَطْ، وَلَيْسَتْ أَحْكَامُ الدُّنْيَا كَأَحْكَامِ الْآخِرَةِ، لِأَنَّ مَنْ تَابَ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ الْوَعِيدُ فِي الْآخِرَةِ، وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ حُكْمُ الدُّنْيَا بِاتِّفَاقِهِمْ مَعَنَا.
وَالثَّالِثُ - أَنَّهُ لَا خِلَافَ [فِي أَنَّ حُكْمَ الزَّانِي يُرَاعِي الْإِحْصَانَ فِي ذَلِكَ وَعَدَمَ الْإِحْصَانِ، وَلَا خِلَافَ] فِي أَنَّهُ لَا يُرَاعَى ذَلِكَ فِي الْقَتْلِ.
وَالرَّابِعُ - أَنَّ حُكْمَ الزَّانِي إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ بِلَا خِلَافٍ مِمَّنْ يَعْتَدُّ بِهِ الْقَتْلُ بِالرَّجْمِ خَاصَّةً، وَلَيْسَ ذَلِكَ حُكْمَ الْقَاتِلِ إذَا اُسْتُقِيدَ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ قَتَلَ بِحَجَرٍ.
وَالْخَامِسُ - أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي أَوَّلِ هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي مَوَّهُوا بِإِيرَادِ بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان: ٦٨] فَيَلْزَمُهُمْ إذَا سَاوَوْا بَيْنَ حُكْمِ الْقَاتِلِ وَالزَّانِي، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ ذَكَرَهُمَا مَعًا فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنْ يُسَاوُوا أَيْضًا بَيْنَ الْكَافِرِ، وَالْقَاتِلِ، وَالزَّانِي، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ ذَكَرَهُمْ كُلَّهُمْ مَعًا، وَسَاوَى بَيْنَهُمْ فِي وَعِيدِ الْآخِرَةِ إلَّا مَنْ تَابَ، فَيَلْزَمُهُمْ إذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute