للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَسْلَمَ الْكَافِرُ، وَالْمُرْتَدُّ، فَرَاجَعُ الْإِسْلَامِ أَنْ يُجْلَدَ مِائَةَ سَوْطٍ وَيُنْفَى سَنَةً، لِأَنَّ الْقَتْلَ قَدْ سَقَطَ عَنْهُ كَمَا قَدْ سَقَطَ عَنْ الْقَاتِلِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ، وَعَنْ الزَّانِي غَيْرِ الْمَحْضِ.

فَإِنْ قَالُوا: الْإِجْمَاعُ مَنَعَ ذَلِكَ. قِيلَ لَهُمْ: فَقَدْ أَقْرَرْتُمْ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مَنَعَ مِنْ قِيَاسِكُمْ الْفَاسِدِ وَأَبْطَلَهُ.

فَظَهَرَ فَسَادُ كَلَامِهِمْ هَذَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَأَمَّا الْخَبَرُ - الَّذِي تَعَلَّقُوا بِهِ - فَفِي غَايَةِ الْبُطْلَانِ وَالسُّقُوطِ، لِأَنَّهُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا - وَلَا سِيَّمَا مَا رُوِيَ عَنْ الْحِجَازِيِّينَ، فَلَا خَيْرَ فِيهِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.

ثُمَّ هُوَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَرْوَةَ وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ - وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ إلَّا التَّعَلُّقُ بِمَا رُوِّينَا فِي ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَنَظَرْنَا فِيهِ، فَوَجَدْنَاهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَنْ عُمَرَ أَبَدًا، لِأَنَّهُ إمَّا عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ: أَنَّ عُمَرَ، وَإِمَّا عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ، وَكِلَاهُمَا لَمْ يُولَدْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِدَهْرٍ طَوِيلٍ.

وَأَيْضًا - فَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافُهُ، وَإِذَا صَحَّ الْخِلَافُ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَلَيْسَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ بَعْضٍ، فَالْوَاجِبُ حِينَئِذٍ الرُّجُوعُ إلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ، إذْ يَقُولُ تَعَالَى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: ٥٩]

فَكُلُّ قَوْلٍ عَرِيٍّ مِنْ الْأَدِلَّةِ فَهُوَ بَاطِلٌ بِيَقِينٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: ١١١]

ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ لَمْ يَرَ عَلَى الْمَعْفُوِّ عَنْهُ بِالدِّيَةِ، أَوْ الْمُفَادَاةِ، أَوْ الْعَفْوِ الْمُطْلَقِ جَلْدًا وَلَا نَفْيًا - فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: ١٧٨]

<<  <  ج: ص:  >  >>