للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي قَوْمٍ تَنَاضَلُوا فَأَصَابُوا إنْسَانًا، لَا يُدْرَى أَيُّهُمْ أَصَابَهُ. قَالَ: الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ.

وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَنَا سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَضَى فِي سِتَّةِ غِلْمَةٍ كَانُوا يَتَغَاطُّونَ فِي النَّهْرِ فَغَرِقَ أَحَدُهُمْ، فَشَهِدَ اثْنَانِ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَنَّهُمْ غَرَّقُوهُ، وَشَهِدَ ثَلَاثَةٌ عَلَى اثْنَيْنِ أَنَّهُمَا غَرَّقَاهُ - فَجَعَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ثَلَاثَةَ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ عَلَى الِاثْنَيْنِ، وَخُمْسَيَّ الدِّيَةِ عَلَى الثَّلَاثَةِ قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَلَا تَصِحُّ، وَلَوْ صَحَّتْ لَكَانَ جَمِيعُ الْحَاضِرِينَ مِنْ خُصُومِنَا مُخَالِفِينَ لِحُكْمِهِ فِيهَا.

وَأَمَّا الْقَوْلُ عِنْدَنَا فَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْأَمْوَالَ إلَّا بِيَقِينِ الْحَقِّ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: ١٨٨]

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَلَا يَصِحُّ قَضَاءٌ بِدِيَةٍ عَلَى أَحَدٍ إلَّا حَيْثُ أَوْجَبَهَا نَصٌّ [قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةٌ] عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

فَإِذَا مَاتَ إنْسَانٌ فِي تَغَاطٍّ، أَوْ نِضَالٍ، أَوْ فِي وَجْهِ مَاءٍ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يَغْرَمَ مَنْ حَضَرَ شَيْئًا مِنْ دِيَتِهِ، وَلَا عَوَاقِلُهُمْ، لِأَنَّنَا لَا نَدْرِي أَجَمِيعُهُمْ قَتَلَهُ أَمْ بَعْضُهُمْ؟ وَإِذْ لَا نَدْرِي مَنْ الْقَاتِلُ لَهُ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَاضِرِينَ وَبَيْنَ الْعَابِرِينَ عَلَى السَّبِيلِ، وَإِلْزَامُهُمْ دِيَتَهُ، أَوْ عَوَاقِلُهُمْ ظُلْمٌ لَا شَكَّ، بَلْ نُوقِنُ أَنَّ جَمِيعَهُمْ لَمْ يَقْتُلْهُ، فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ إلْزَامَ جَمِيعِهِمْ الدِّيَةَ ظُلْمٌ لَا شَكَّ فِيهِ - فَحَقُّ هَذَا أَنْ يُؤَدِّيَ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ، أَوْ مِنْ الْأَمْوَالِ الْمَوْقُوفَةِ لِمَصَالِحِ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى افْتَرَضَ دِيَتَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: ٩٢] فَلَا بُدَّ مِنْ دِيَةٍ مُسَلَّمَةٍ إلَى أَهْلِهِ.

وَبِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ " مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ بَعْدَ مَقَالَتِي هَذِهِ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ بَيْنَ أَنْ يَقْتُلُوا أَوْ يَأْخُذُوا الْعَقْلَ " أَوْ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.

<<  <  ج: ص:  >  >>