يَقُولُونَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: ٢٣٧] فَلَمَّا كَانَ الْعَفْوُ أَقْرَبَ لِلتَّقْوَى وَجَبَ أَنَّ مَنْ دَعَى إلَى مَنْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى كَانَ قَوْلُهُ أَوْلَى.
وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُفِعَ إلَيْهِ شَيْءٌ فِيهِ قِصَاصٌ إلَّا أَمَرَ بِالْعَفْوِ؟ قَالُوا: فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَمَرَ فِي كُلِّ قِصَاصٍ رُفِعَ إلَيْهِ بِالْعَفْوِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْعَفْوُ مُغَلَّبًا عَلَى الْقَوَدِ.
وَهَذَا أَيْضًا حُكْمٌ قَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ.
فَهَذَا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ، مَا نَعْرِفُ لَهُمْ شَيْئًا غَيْرَهُ أَصْلًا.
ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: الْعَفْوُ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ إلَّا الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ شُبْهَةً إلَّا أَنْ يَقُولُوا لَيْسَا مِنْ الْعَصَبَةِ، وَلَا يَعْقِلَانِ مَعَ الْعَاقِلَةِ.
وَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: الْعَفْوُ لِلرِّجَالِ خَاصَّةً دُونَ النِّسَاءِ، فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ شُبْهَةً أَصْلًا، إلَّا أَنْ يَقُولُوا: إنَّهُنَّ لَا يَرِثْنَ الْوَلَاءَ، وَلَا الْوِلَايَةَ فِي الْإِنْكَاحِ فَكَذَلِكَ لَا عَفْوَ لَهُنَّ؟ وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَبَيْنَ سَائِرِ الْوَرَثَةِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الزَّوْجَيْنِ لَيْسَا مِنْ الْعَصَبَةِ، فَقَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ.
وَمِنْ أَيْنَ خَرَجَ لَهُمْ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لِلْعَصَبَةِ، وَهَذَا حُكْمٌ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى أَمْرٌ، وَلَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ بَاطِلُ.
وَأَمَّا أَنَّهُمَا لَا يَعْقِلَانِ مَعَ الْعَاقِلَةِ؟ فَنَعَمْ، فَكَانَ مَاذَا؟ وَمَا الَّذِي أَدْخَلَ حُكْمَ الْعَاقِلَةِ فِي حُكْمِ الْعَفْوِ مِنْ الدَّمِ؟ وَالْعَاقِلَةُ إنَّمَا هِيَ فِي الْقَتْلِ فِي الْخَطَأِ خَاصَّةً وَالْعَفْوُ إنَّمَا هُوَ فِي الْعَمْدِ خَاصَّةً، فَمَا الَّذِي جَمَعَ بَيْنَ حُكْمِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ؟ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ رَأَى الْعَفْوَ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ، فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا فَاسِدًا، لِأَنَّهُ قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute