غَيْرِهِ فِي حَرَمِ مَكَّةَ، لَكِنَّنَا نُخْرِجُهُمْ مِنْهُ، فَإِنْ خَرَجُوا وَصَارُوا فِي الْحِلِّ نَفَّذْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ قَتْلٍ، أَوْ أَسْرٍ، أَوْ عُقُوبَةٍ، فَإِنْ امْتَنَعُوا وَقَاتَلُونَا قَاتَلْنَاهُمْ حِينَئِذٍ فِي الْحَرَمِ - كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَاتَلْنَاهُمْ فِيهِ، وَهَكَذَا نَفْعَلُ بِكُلِّ بَاغٍ وَظَالِمٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَا فَرْقَ.
فَإِنْ قَالُوا: فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: ٥] الْآيَةَ؟ قُلْنَا: الَّذِي قَالَ هَذَا قَالَ {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} [البقرة: ١٩١] وَكَلَامُهُ كُلُّهُ وَعُهُودُهُ كُلُّهَا فَرْضٌ، وَلَا يَحِلُّ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْ كَلَامِهِ لِشَيْءٍ آخَرَ إلَّا بِنَسْخٍ مُتَيَقَّنٍ - فَوَاجِبٌ عَلَيْنَا أَنْ نَسْتَعْمِلَ مِثْلَ هَذِهِ النُّصُوصِ وَنَجْمَعَهَا، وَنَسْتَثْنِيَ الْأَقَلَّ مِنْهَا مِنْ الْأَكْثَرِ، إذْ لَا يَحِلُّ غَيْرُ ذَلِكَ.
فَنَحْنُ نَقْتُلُ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْنَاهُمْ إلَّا عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. فَنَحْنُ إذَا فَعَلْنَا هَذَا كُنَّا عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّنَا قَدْ أَطَعْنَا اللَّهَ تَعَالَى فِي كُلِّ مَا أَمَرَنَا بِهِ، وَمَنْ خَالَفَ هَذَا الْعَمَلَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى فِي إحْدَى الْآيَتَيْنِ؟ وَهَذَا لَا يَحِلُّ أَصْلًا.
وَكَمَا قُلْنَا - فَعَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ لَمَّا ابْتَدَأَهُ الْفُسَّاقُ بِالْقِتَالِ فِي حَرَمِ مَكَّةَ: يَزِيدُ، وَعَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ، وَالْحُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ، وَالْحَجَّاجُ، وَمَنْ بَعَثَهُ وَمَنْ كَانَ مَعَهُمْ - مِنْ جُنُودِ السُّلْطَانِ - قَاتَلَهُمْ مُدَافِعًا لِنَفْسِهِ وَأَحْسَنَ فِي ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ نا الْفَرَبْرِيُّ نا الْبُخَارِيُّ نا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ افْتَتَحَ مَكَّةَ لَا هِجْرَةَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اُسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا، فَإِنَّ هَذَا بَلَدٌ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إلَّا مَنْ عَرَّفَهَا، وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا - قَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ؟ قَالَ: إلَّا الْإِذْخِرَ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute