للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ نا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ نا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ نا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَوْفٍ نا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ «لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ قَامَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَبَسَ الْفِيلَ عَنْ مَكَّةَ وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي، وَإِنَّهَا حَلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَإِنَّهَا لَنْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، فَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا، وَلَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدٍ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثَ بِذِكْرِ الْإِذْخِرِ.

وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا قُتَيْبَةُ بْنُ لَيْثٍ - هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ - وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إلَى مَكَّةَ: ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الْأَمِيرُ أُحَدِّثْك قَوْلًا قَامَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ، سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ، وَوَعَاهُ قَلْبِي، وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ: أَنَّهُ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ «إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا فَقُولُوا: إنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ، وَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ» .

قِيلَ لِأَبِي شُرَيْحٍ: مَاذَا قَالَ لَك عَمْرٌو؟ قَالَ: قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْك يَا أَبَا شُرَيْحٍ، إنَّ الْحَرَمَ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا، وَلَا فَارًّا بِخَرِبَةٍ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا كَرَامَةَ لِلَطِيمِ الشَّيْطَانِ شُرْطِيِّ الْفَاسِقِ يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ أَعْلَمَ مِنْ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا سَمِعَهُ ذَلِكَ الصَّاحِبُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ فَمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، عَلَى عَظِيمِ الْمُصَابِ فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ عَلَى تَضَاعُفِ الْمُصِيبَةِ مِمَّنْ شَاهِدُهُ يَحْتَجُّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ بِعَيْنِهَا بِقَوْلِ الْفَاسِقِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ مُعَارَضَةً لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَتَكَلَّمُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيُغْرِ الضُّعَفَاءَ بِأَنَّهُ عَالِمٌ، وَمَا الْعَاصِي لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا الْفَاسِقُ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ، وَمَنْ وَلَّاهُ وَقَلَّدَهُ، وَمَا حَامِلُ الْخَرِبَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إلَّا هُوَ، وَمَنْ أَمَّرَهُ وَأَيَّدَهُ، وَصَوَّبَ قَوْلَهُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَا نَقْلُ تَوَاتَرْ ثَلَاثَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو شُرَيْحٍ، كُلُّهُمْ يَرْوِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى» فَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُحَرِّمْ مَكَّةَ خُصُوصًا الْقِتَالَ الْمُحَرَّمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>