قَتَلَتْ الْمَوْقُوعَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَعْمَلْ الْمَوْقُوعُ عَلَيْهِ شَيْئًا: فَدِيَةُ الْمَوْقُوعِ عَلَيْهِ - إنْ هَلَكَ - عَلَى عَاقِلَةِ الْوَاقِعِ - إنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْوُقُوعَ عَلَيْهِ - لِأَنَّهُ قَاتِلُ خَطَأٍ، فَإِنْ تَعَمَّدَ، فَالْقَوَدُ وَاقِعٌ عَلَيْهِ إنْ سَلِمَ، أَوْ الدِّيَةُ - وَكَذَلِكَ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ إنْ مَاتَ الْمَوْقُوعُ عَلَيْهِ قَبْلَهُ.
فَإِنْ مَاتَا مَعًا، أَوْ مَاتَ الْوَاقِعُ قَبْلُ، فَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِمَوْتِ الْمَقْتُولِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لَا قَبْلَ ذَلِكَ. فَإِذَا مَاتَ فِي حَيَاةِ قَاتِلَةٍ فَقَدْ وَجَبَتْ الدِّيَةُ أَوْ الْقَوَدُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ. وَإِذَا مَاتَ مَعَ قَاتِلِهِ أَوْ بَعْدَ قَاتِلِهِ، فَلَمْ يَجِبْ لَهُ بَعْدُ شَيْءٌ - لَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ - فِي حَيَاةِ الْقَاتِلِ، فَإِذَا مَاتَ فَالْقَاتِلُ غَيْرُ مَوْجُودٍ، وَالْمَالُ قَدْ صَارَ لِلْوَرَثَةِ، وَهَذَا لَا حَقَّ لَهُ عِنْدَهُمْ - وَلَيْسَ هَكَذَا قَتْلُ الْخَطَأِ، لِأَنَّ الدِّيَةَ لَا تَجِبُ فِي مَالِ الْجَانِي، وَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، فَسَوَاءٌ مَاتَ الْقَاتِلُ قَبْلَ الْمَقْتُولِ، أَوْ مَعَهُ، أَوْ بَعْدَهُ: لَا يَسْقُطُ بِذَلِكَ وُجُوبُ الدِّيَةِ - إمَّا عَلَى الْعَاقِلَةِ إنْ عَلِمَتْ، وَإِمَّا فِي كُلِّ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا جَاءَ فِي سَهْمِ الْغَارِمِينَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَلَا شَيْءَ لِوَارِثِ الْوَاقِعِ إنْ مَاتَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْوُجُوهِ - لَا دِيَةَ وَلَا غَيْرَهَا - لِأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ أَحَدٌ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَسَوَاءٌ وَقَعَ عَلَى سِكِّينٍ بِيَدِ الْمَدْفُوعِ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى رُمْحٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، لَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ أَصْلًا، لِأَنَّهُ إنْ عَمَدَ فَهُوَ قَاتِلٌ نَفْسَهُ عَمْدًا، وَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ - وَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْمِدْ فَلَمْ يُبَاشِرْ فِي نَفْسِهِ جِنَايَةً، وَإِنَّمَا هُوَ قَتِيلُ حَجَرٍ أَوْ حَدِيدَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا الْمُتَمَاقِلُونَ فِي الْمَاءِ فَإِنْ عُرِفَ أَيُّهُمْ غَطَّسَهُ فِي الْمَاءِ حَتَّى مَاتَ، فَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَالْقَوَدُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ قَاصِدٍ لَكِنْ غَطَسَ أَحَدُهُمْ، فَلَمَّا جَاءَ لِيَخْرُجَ لَقِيَ سَاقَيْ آخَرَ فَمَنَعَتَاهُ الْخُرُوجَ غَيْرَ قَاصِدٍ لِذَلِكَ: فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، لِأَنَّهُ بَاشَرَ ذَلِكَ فِيهِ غَيْرَ قَاصِدٍ فَهُوَ قَتْلُ خَطَأٍ، فَإِنْ كَانَ غَطَّسَهُ تَغْطِيسَةً - لَا يُمَاتُ أَلْبَتَّةَ مِنْ مِثْلِهَا - فَوَافَقَ مَنِيَّتَهُ، فَهَذَا لَا شَيْءَ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ - لَا عَمْدًا وَلَا خَطَأً - بَلْ مَاتَ بِأَجَلِهِ حَتْفَ أَنْفِهِ.
فَإِنْ جُهِلَ مَنْ عَمِلَ ذَلِكَ بِهِ، فَمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ أُحْلِفَ وَبُرِّئَ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ - وَلَا قَسَامَةَ هَاهُنَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا حَكَمَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِالْقَسَامَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute