قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاَلَّذِي نَقُولُ بِهِ إنَّ حُكْمَ الْقَسَامَةِ وَاجِبٌ هَاهُنَا، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي حَكَمَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقَسَامَةِ، لِأَنَّ كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ قَتِيلٌ وُجِدَ، وَلَمْ يَقُلْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنِّي حَكَمْت بِالْقَسَامَةِ مِنْ أَجْلِ الدَّارِ، وَلَا مِنْ غَيْرِ أَجْلِ الدَّارِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا لَمْ يَقُلْ، لَكِنْ نَحْكُمُ فِي نَوْعِ تِلْكَ الْحَالِ مِثْلَ حُكْمِهِ فِيهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَكَذَلِكَ مَنْ قُتِلَ فِي اخْتِلَاطِ قِتَالٍ، أَوْ لَيْلًا، أَوْ أَيْنَ قُتِلَ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا حَفَرُوا فِي حَائِطٍ - بِحَقٍّ أَوْ بِبَاطِلٍ - أَوْ فِي مَعْدِنٍ، أَوْ بِئْرٍ فَتَرَدَّى عَلَيْهِمْ الْحَائِطُ، أَوْ الْجُرُفُ فَمَاتُوا، أَوْ مَاتَ بَعْضُهُمْ؟ فَإِنْ كَانُوا عَامِدِينَ قَاصِدِينَ إلَى هَدْمِهِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ: فَهُوَ قَتْلُ عَمْدٍ، وَالْقَوَدُ عَلَى مَنْ عَاشَ، أَوْ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، لِجَمِيعِ مَنْ مَاتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دِيَةٌ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتِلُ نَفْسٍ، وَهَذَا حُكْمُ قَاتِلِ النَّفْسِ عَمْدًا.
وَإِنْ كَانُوا لَمْ يَقْصِدُوا إلَّا الْعَمَلَ لَا هَدْمَهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَهُمْ قَتَلَةُ خَطَأٍ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ كُلِّهِمْ دِيَةٌ دِيَةٌ لِكُلِّ مَنْ مَاتَ فَقَطْ - فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَوَاقِلُ فَمِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ، أَوْ مِنْ كُلِّ مَالٍ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ.
وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا وَقَفُوا عَلَى جُرُفٍ فَانْهَارَ بِأَحَدِهِمْ فَتَعَلَّقَ بِمَنْ يَقْرُبُهُ، وَتَعَلَّقَ ذَلِكَ بِآخَرَ فَسَقَطُوا فَمَاتُوا، فَالْمُتَعَلِّقُ بِصَاحِبِهِ قَاتِلُ خَطَأٍ، فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُتَعَلِّقِ - فَكَأَنَّ زَيْدًا تَعَلَّقَ بِخَالِدٍ، وَتَعَلَّقَ خَالِدٌ بِمُحَمَّدٍ، فَعَلَى عَاقِلَةِ زَيْدٍ دِيَةُ خَالِدٍ، وَعَلَى عَاقِلَةِ خَالِدٍ دِيَةَ مُحَمَّدٍ فَقَطْ، وَكَذَلِكَ أَبَدًا، لِأَنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِإِنْسَانٍ إلَى مَهْلَكَةٍ قَاتِلُ خَطَأٍ، إلَّا أَنْ يَتَعَمَّدَ بِلَا شُبْهَةٍ فَهُوَ قَاتِلُ عَمْدٍ، لَيْسَ فِيهِ إلَّا - لَوْ خُلِّصَ الْمُتَرَدِّي - الْقَوَدُ، أَوْ الدِّيَةُ، أَوْ الْمُفَادَاةُ.
فَلَوْ تَعَلَّقُوا هَكَذَا فَوَقَعُوا عَلَى أَسَدٍ، أَوْ ثُعْبَانٍ فَقَتَلَهُمْ؟ فَإِنْ كَانَ خَطَأً فَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ قَاتِلَ خَطَأٍ، وَإِنَّمَا قَتَلَتْ الْبَهِيمَةُ - وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ - إنْ خُلِّصَ - وَيُرْمَى إلَى مِثْلِ الْبَهِيمَةِ حَتَّى تَقْتُلَهُ، كَمَا فَعَلَ هُوَ بِأَخِيهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute