قَالَ وَكِيعٌ: كَانُوا يَرُونَ أَنَّ رَجُلًا صَحِيحًا كَانَ يَقُودُ أَعْمَى فَوَقَعَا فِي بِئْرٍ فَخَرَّ عَلَيْهِ؟ فَإِمَّا قَتَلَهُ، وَإِمَّا جَرَحَهُ، فَضَمِنَ الْأَعْمَى.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ نا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِي رَجُلٍ أَعْمَى قَادَهُ رَجُلٌ فَخَرَّا مَعًا فِي بِئْرٍ فَمَاتَ الصَّحِيحُ وَلَمْ يَمُتْ الْأَعْمَى؟ فَقَضَى عُمَرُ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَعْمَى بِالدِّيَةِ، فَكَانَ الْأَعْمَى يَتَمَثَّلُ بِأَبْيَاتِ شَعْرٍ قَالَهَا، وَهِيَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا آنِفًا قَبْلَ هَذَا.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الْبَصِيرِ يَقُودُ الْأَعْمَى فَيَقَعُ الْبَصِيرُ فِي بِئْرٍ، وَيَقَعُ الْأَعْمَى عَلَى الْبَصِيرِ، فَيَمُوتُ الْبَصِيرُ؟ فَإِنَّ دِيَةَ الْبَصِيرِ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَعْمَى.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ لَا تَصِحُّ فِي أَمْرِ الْأَعْمَى، لِأَنَّهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ، وَاللَّيْثِ، وَكِلَاهُمَا لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ أَصْلًا.
وَالْقَوْلُ فِي هَذَا عِنْدَنَا أَنَّ مَنْ وَقَعَ عَلَى آخَرَ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ يَكُونَ دَفَعَهُ غَيْرُهُ فَمَاتَ الْوَاقِعُ أَوْ الْمَوْقُوعُ عَلَيْهِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَوْقُوعُ عَلَيْهِ هُوَ الَّذِي جَرَّ الْوَاقِعَ فَوَقَعَ عَلَيْهِ، كَبَصِيرٍ يَقُودُ أَعْمَى - وَهُوَ يُمْسِكُهُ - فَوَقَعَ الْبَصِيرُ، وَانْجَبَذَ بِجَبْذِهِ الْأَعْمَى، أَوْ الْمَرِيضُ فَوَقَعَ عَلَيْهِ فَمَاتَ الْأَسْفَلُ، أَوْ الْأَعْلَى - أَوْ يَكُونَ وَقَعَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ، لَكِنْ عَمَدَ رَمْيَ نَفْسِهِ أَوْ لَمْ يَعْمِدْ، لَكِنْ عَثَرَ إذْ خَرَّ فَإِنْ دَفَعَهُ غَيْرُهُ، فَالدَّافِعُ هُوَ الْقَاتِلُ، فَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، أَوْ الدِّيَةُ، أَوْ الْمُفَادَاةُ، فِي أَيِّهِمَا مَاتَ فَإِنْ كَانَ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، إذْ هُوَ الْقَاتِلُ خَطَأً - وَالْمَدْفُوعُ حِينَئِذٍ وَالْحَجَرُ سَوَاءٌ - فَهَذَا وَجْهٌ.
وَإِنْ كَانَ الْمَدْفُوعُ عَلَيْهِ هُوَ جَبَذَ الْوَاقِعَ فَإِنْ كَانَ عَامِدًا فَهُوَ قَاتِلُ عَمْدٍ، فَإِنْ مَاتَ الْمَجْبُوذُ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، أَوْ الدِّيَةُ، أَوْ الْمُفَادَاةُ - وَإِنْ مَاتَ هُوَ فَهُوَ قَاتِلُ نَفْسِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَجْبُوذِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَعْمِدْ، وَلَا أَخْطَأَ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْمِدْ جَبْذَهُ - وَلَكِنْ اسْتَمْسَكَ بِهِ - فَوَقَعَ فَمَاتَ، فَعَلَى عَاقِلَةِ الْجَابِذِ دِيَةُ الْمَجْبُوذِ إنْ مَاتَ، وَالْكَفَّارَةُ، لِأَنَّهُ قَاتِلُ خَطَأٍ - فَإِنْ مَاتَ هُوَ فَلَيْسَ عَلَى الْمَجْبُوذِ شَيْءٌ، وَلَا عَلَى عَاقِلَتِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ عَامِدًا وَلَا مُخْطِئًا، لَكِنْ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَابِذِ دِيَةُ نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ قَاتِلُ نَفْسِهِ خَطَأً - فَهَذَا وَجْهٌ ثَانٍ.
وَإِنْ كَانَ وَقَعَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ، فَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَهُوَ قَاتِلُ عَمْدٍ - إنْ سَلِمَ فَالْقَوَدُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute