للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّبِيِّ الدِّيَةُ، ثُمَّ تَرْجِعُ بِهَا عَاقِلَةُ الصَّبِيِّ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ، فَيُقَالُ لَهُ: ادْفَعْ الْعَبْدَ إلَى الْعَاقِلَةِ أَوْ افْدِهِ بِالدِّيَةِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ أَمَرَ حُرٌّ عَبْدَ غَيْرِهِ بِقَتْلِ إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ، أَوْ أَمَرَ بِذَلِكَ صَبِيًّا أَجْنَبِيًّا فَقَتَلَ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ وَالصَّبِيُّ يُمَيِّزَانِ أَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ، وَأَنَّ طَاعَتَهُ لَيْسَتْ عَلَيْهِمَا: عُوقِبَ الْآمِرُ وَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ، وَلَا دِيَةَ، وَالْقَاتِلُ هَاهُنَا هُوَ الْعَبْدُ أَوْ الصَّبِيُّ، قَالَ: فَإِنْ كَانَا لَا يُمَيِّزَانِ ذَلِكَ فَعَلَى الْآمِرِ الْقَوَدُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ: فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ؟ فَوَجَدْنَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، بَلْ هِيَ أَقْوَالٌ مُتَخَاذِلَةٌ.

ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ سُفْيَانَ فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا خَطَأً، لِأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ السَّيِّدِ يَأْمُرُ عَبْدَهُ بِقَتْلِ إنْسَانٍ فَيُنَفِّذُ أَمْرَهُ، فَجَعَلَ الْعَبْدَ هُوَ الْقَاتِلَ، وَلَمْ يَرَ السَّيِّدَ الْآمِرَ قَاتَلَا.

وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، فَدَاخِلَةٌ فِي أَقْوَالِ مَنْ ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، فَتَرَكْنَا أَنْ نَخُصَّهَا بِالذَّكَرِ اكْتِفَاءً بِكَلَامِنَا فِي تِلْكَ الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَأَمَّا قَوْلُ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى " لَا يُقْتَلُ الْآمِرُ وَلَا الْمَأْمُورُ " فَخَطَأٌ، لِأَنَّ هَاهُنَا قَتْلٌ عَمْدٌ، وَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ الْقَوَدَ.

وَأَمَّا قَوْلُ الْحَكَمِ، وَحَمَّادٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِأَنَّ الْقَاتِلَ هُوَ الْمُتَوَلِّي لِلْقَتْلِ الْمُبَاشِرُ لِلْقَتْلِ، فَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْقَوَدُ خَاصَّةً.

وَأَمَّا قَوْلُ عَلِيٍّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَإِنَّهُمَا جَعَلَا الْآمِرَ هُوَ الْقَاتِلَ، فَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْقَوَدُ، وَجَعَلُوا الْمَأْمُورَ آلَةً لَهُ مُصَرَّفَةً - هَذِهِ حُجَّتُهُمْ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدَّمُوهُ أَصْحَابُ الْقِيَاسِ هَاهُنَا بِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِنْ عَلِيٍّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ قِيَاسٌ - يَعْنِي قَوْلَ عَلِيٍّ: إنَّ الْمَأْمُورَ هُوَ كَسَيْفِ الْآمِرِ وَسَوْطِهِ.

وَقَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَرَأَيْت لَوْ أَرْسَلَ مَعَهُ هَدِيَّةً، مَنْ الْمُهْدِي لَهَا؟ ".

وَهَذَا لَا مُتَعَلَّقَ لَهُمْ بِهِ، وَلَا هُوَ مِنْ الْقِيَاسِ، لَا فِي وِرْدٍ وَلَا فِي صَدْرٍ، لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>