وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ وَالَى غَيْرَ مَنْ أَعْتَقَهُ لَكِنْ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى أَيْدِيهِمْ فَلَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْهُمْ وَيُوَالِيَ غَيْرَهُمْ مَا لَمْ يَعْقِلُوا عَنْهُ، فَإِذَا عَقَلُوا عَنْهُ فَلَا يُمْكِنُهُ الِانْتِقَالُ عَنْهُمْ بِوِلَايَةٍ أَبَدًا.
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابُنَا: لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَنْ الْمَوَالِي مِنْ أَسْفَلَ، وَلَا عَنْ الْمَوْلَى مِنْ فَوْقُ، وَلَا عَنْ الْحَلِيفِ، وَلَا عَنْ الْعَبْدِ.
فَلَمَّا اخْتَلَفُوا وَجَبَ أَنْ نُخَلِّصَ أَقْوَالَهُمْ ثُمَّ نَذْكُرَ كُلَّ مَا احْتَجَّتْ بِهِ كُلُّ طَائِفَةٍ لِقَوْلِهَا؛ لِيَظْهَرَ الْحَقُّ مِنْ ذَلِكَ فَنَتَّبِعَهُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَنِّهِ: فَكَانَ الْحَاصِلُ - مِنْ قَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْمَوَالِيَ مِنْ فَوْقُ يَعْقِلُونَ عَنْ الْمَوَالِي الَّذِينَ أَعْتَقُوهُ، أَوْ أَعْتَقَهُ مَنْ هُوَ مِنْهُمْ، وَأَنَّ ذَوِي الرَّحِمِ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْ الْمَوَالِي الَّذِينَ أَعْتَقُوهُ، ثُمَّ الْمُعْتِقُونَ، ثُمَّ الْمُسْلِمُونَ.
وَظَاهِرُ هَذَا: أَنَّ كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا يَعْقِلُ عَنْهُ، وَأَنَّ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ إنْسَانٍ فَوَلَاؤُهُ لَهُ يَرِثُهُ وَيَعْقِلُ عَنْهُ.
وَصَحَّ مِنْ قَوْلِ مُعَاوِيَةَ أَنَّ الْمَوَالِيَ مِنْ فَوْقُ يَعْقِلُونَ عَمَّنْ أَعْتَقُوهُ، فَإِنْ أَبَوْا عَقَلَ عَنْهُمْ الْإِمَامُ وَزَالَ وَلَاؤُهُ عَنْ الَّذِينَ أَعْتَقُوهُ إلَى الَّذِي عَقَلَ عَنْهُ - وَهَذَا صَحِيحٌ عَنْ مُعَاوِيَةَ ثَابِتٌ؛ لِأَنَّ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ أَدْرَكَهُ.
وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: أَنَّ الْمُعْتِقِينَ يَعْقِلُونَ عَنْ مَوْلَاهُمْ الَّذِي أَعْتَقُوهُ، وَعَمَّنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ مِنْهُمْ - وَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ: أَنَّهُ لَا يَعْقِلُ الْمُعْتِقُونَ عَمَّنْ أَعْتَقُوا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَوَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي طَلَبِ الْبُرْهَانِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا - وَهُوَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ - فَوَجَدْنَا مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْمُعْتِقِينَ يَعْقِلُونَ عَمَّنْ أَعْتَقُوهُ يَقُولُونَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» .
وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كُلُّ حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إلَّا شِدَّةً» .
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، وَأَبُو أُسَامَةَ عَنْ زَكَرِيَّا عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute