للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكَ مِنْ ثَقِيفَ» فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلًا لِوُجُوهٍ -: أَحَدُهَا - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ - إذْ أَخْذُهُ مُسْلِمًا حَرَامٌ أَخْذُهُ - لَوْلَا جَرِيرَةُ حُلَفَائِهِ، بَلْ أَخَذَ كَافِرًا حَلَالًا أَخْذُهُ، وَدَمُهُ، وَمَالُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، إلَّا أَنَّهُ تَأَكَّدَ أَمْرُهُ مِنْ أَجْلِ جَرِيرَةِ حُلَفَائِهِ فَقَطْ - وَلَسْنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ - إنَّمَا نَحْنُ فِي مُسْلِمِينَ حَرَامٌ دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ، هَلْ يُؤْخَذُونَ بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِهِمْ أَمْ لَا؟ .

وَثَانِيهَا: أَنَّ مِثْلَ تِلْكَ الْجَرِيرَةِ لَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِهَا مُسْلِمٌ عَنْ مُسْلِمٍ وَلَوْ أَنَّ حُلَفَاءَ الْإِنْسَانِ أَوْ إخْوَانَهُ أَوْ أَبَاهُ أَوْ وَلَدَهُ: يَأْسِرُ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ يَقْطَعُ الطَّرِيقَ: لَمْ يَحِلَّ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ حَلِيفَهُ، وَلَا أَخَاهُ، وَلَا ابْنَهُ، وَلَا أَبَاهُ عَنْهُ.

وَثَالِثُهَا: أَنَّ هَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ قِيَاسُ الشَّيْءِ عَلَى ضِدِّهِ، وَقِيَاسُ مُؤْمِنٍ عَلَى كَافِرٍ، وَجِنَايَةِ قَتْلِ خَطَأٍ عَلَى أَسْرِ كُفَّارٍ لِمُؤْمِنٍ - وَهَذَا تَخْلِيطٌ مِمَّنْ مَوَّهَ بِهَذَا الْخَبَرِ فَحَرَّفَهُ عَنْ مَوْضِعِهِ.

وَأَمَّا حَدِيثُ - جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ: «لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ، وَكُلُّ حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إلَّا شِدَّةً» فَلَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِهِ؛ لِأَنَّنَا لَمْ نُخَالِفْهُمْ فِي بَقَاءِ حِلْفِ الْجَاهِلِيَّةِ وَإِبْطَالِ الْحِلْفِ فِي الْإِسْلَامِ فَيَحْتَجُّوا عَلَيْنَا بِهَذَا الْخَبَرِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ هَلْ يَعْقِلُ الْحُلَفَاءُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ أَمْ لَا؟ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى وَمَا مَعْنَى بَقَاءِ الْحِلْفِ إذَا قُلْنَا: مَعْنَاهُ ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنْ يَكُونُوا مَعَهُمْ كَأَنَّهُمْ مِنْهُمْ، فَإِذَا غَزَوْا غَزَوْا مَعَهُمْ، وَإِذَا كَانَتْ لَهُمْ حَاجَةٌ تَكَلَّمُوا فِيهَا كَمَا يَتَكَلَّمُ الْأَهْلُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ - وَأَمَّا إيجَابُ غَرَامَةٍ فَلَا.

وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو جَعْفَرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ نا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ نا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ قَالَ: قِيلَ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: بَلَغَنَا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَالَفَ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ فِي دَارِهِ» .

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ لِمُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ: «فِي دَارِهِ بِالْمَدِينَةِ» ؟ قَالَ عَلِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَهَذَا أَعْظَمُ حُجَّةً فِي إبْطَالِ أَنْ يَعْقِلَ الْحَلِيفُ عَنْ حَلِيفِهِ؛ لِأَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَالَفَ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ» ، وَلَا حِلْفَ أَقْوَى وَأَشَدَّ مِنْ حِلْفٍ عَقَدَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>