للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَاءَ أَقَامَهَا، وَإِنْ شَاءَ عَطَّلَهَا - بَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ، لَا خِيَارَ فِيهَا لِأَحَدٍ، وَلَا حُكْمَ.

وَأَمَّا الدِّمَاءُ فَهِيَ مَوْكُولَةٌ إلَى اخْتِيَارِ الْوَلِيِّ - إنْ شَاءَ اسْتَقَادَ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا - فَبَطَلَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْحُدُودِ، وَصَحَّ أَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ - وَفَسَدَ قَوْلُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حُقُوقِ النَّاسِ مِنْ الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا، لَا حَيْثُ فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيْنَ الدِّمَاءِ وَالْحُقُوقِ وَغَيْرِهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا حَيْثُ الْقَسَامَةُ فَقَطْ.

وَأَمَّا مَنْ جَعَلَ الْيَمِينَ فِي دَعْوَى الدَّمِ خَمْسِينَ يَمِينًا وَلَا بُدَّ - وَلَا أَقَلَّ - فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ، إلَّا أَنَّهُمْ قَاسُوا كُلَّ دَعْوَى فِي الدَّمِ عَلَى الْقَسَامَةِ - وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَحْكُمُوا لِلدَّعْوَى الْمُجَرَّدَةِ فِي الدَّمِ بِحُكْمِ الْقَسَامَةِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ يَرَوْنَ فِي الْقَسَامَةِ تَبْرِئَةَ الْمُدَّعِينَ، وَلَا يَرَوْنَ تَبْرِئَتَهُمْ فِي دَعْوَى الدَّمِ الْمُجَرَّدَةِ، وَالْحَنَفِيُّونَ يَرَوْنَ إيجَابَ الْغَرَامَةِ مَعَ الْأَيْمَانِ فِي الْقَسَامَةِ، وَلَا يَرَوْنَ ذَلِكَ فِي دَعْوَى الدَّمِ الْمُجَرَّدَةِ - فَصَحَّ أَنَّهُمْ قَدْ تَرَكُوا قِيَاسَ دَعْوَى الدَّمِ الْمُجَرَّدَةِ عَلَى الْقَسَامَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِهَا، إلَّا فِي عَدَدِ الْأَيْمَانِ فَقَطْ - فَظَهَرَ بِذَلِكَ بَاطِلُ قَوْلِهِمْ.

وَالْقَوْلُ عِنْدَنَا هُوَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْبَيِّنَةَ فِي الدَّعَاوَى كُلِّهَا دِمَاءً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا سَوَاءٌ سَوَاءٌ، وَالْيَمِينُ فِي كُلِّ ذَلِكَ سَوَاءٌ - يَمِينٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ - عَلَى مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ إلَّا فِي الزِّنَى، وَالْقَسَامَةِ، فَفِي الزِّنَى أَرْبَعَةٌ مِنْ الشُّهُودِ فَصَاعِدًا، لَا أَقَلُّ؛ لِلنَّصِّ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ خَاصَّةً، وَفِي الْقَسَامَةِ خَمْسُونَ يَمِينًا لَا أَقَلُّ لِلنَّصِّ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ.

وَبَقِيَ كُلُّ مَا عَدَا ذَلِكَ عَلَى عُمُومِ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «بَيِّنَتُك أَوْ يَمِينُهُ لَيْسَ لَكَ إلَّا ذَلِكَ» . وَعَلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ» فَلَا يَخْرُجُ مِنْ هَذَا إلَّا مَا أَخْرَجَهُ النَّصُّ.

ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ الْقَسَامَةَ تَكُونُ بِدَعْوَى الْمَرِيضِ أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ، فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ شُبْهَةً أَصْلًا، إلَّا مَا ناه أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ نا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ نا أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>