للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: مَا عِنْدَك فِي هَذِهِ الْقَسَامَةِ؟ فَقُلْت لَهُ: كَانَتْ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَقَرَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَعْظِيمًا لِلدِّمَاءِ، وَجَعَلَهَا سُتْرَةً لِدِمَائِهِمْ، وَلَكِنْ مِنْ سُنَّتِهَا وَمَا بَلَغَنَا فِيهَا: أَنَّ الْقَتِيلَ إذَا تَكَلَّمَ بَرِئَ أَهْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ - وَذَلِكَ فِعْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَأَنَّ ذَلِكَ الَّذِي أَدْرَكْنَا النَّاسَ عَلَيْهِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّ أَهْلَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ أَكْثَرُوا وَأَتَوْا بِمَا يُنْسِي آخِرُهُ أَوَّلَهُ، حَتَّى يَغْتَرَّ الْجَاهِلُ فَيَظُنَّ أَنَّهُمْ أَتَوْا بِشَيْءٍ، وَهُمْ لَمْ يَأْتُوا بِشَيْءٍ أَصْلًا، وَهَذَا سَنَدٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ.

وَفِي إسْنَادِهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ وَقَدْ خَرَّجَ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ، إلَّا أَنَّ الْمَوْصِلِيَّ الْحَافِظَ الْأَسَدِيَّ ذَكَرَ: أَنَّ يُوسُفَ بْنَ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ أَبِي أُوَيْسٍ كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ، وَهَذِهِ عَظِيمَةٌ، إلَّا أَنَّ الْإِرْسَالَ يَكْفِي فِي هَذَا الْخَبَرِ.

وَلَوْ صَحَّ مُسْنَدًا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ مُتَعَلَّقٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَضَى بِالْقَسَامَةِ فِيمَا يَدَّعِيهِ الْمَقْتُولُ، وَإِنَّمَا فِيهِ: أَنَّهَا كَانَتْ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَقَرَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَعْظِيمًا لِلدِّمَاءِ - وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ هَذَا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَلَا حُجَّةَ فِيهِ - وَأَنَّ الْمَالِكِيِّينَ مُخَالِفُونَ لِهَذَا الْحُكْمِ، وَلَا يَرَوْنَ فِيهِ قَسَامَةً أَصْلًا إذَا لَمْ يَتَكَلَّمْ.

وَذَكَرُوا - مَا نَاهٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ نا أَبُو مَعْمَرٍ الْبَصْرِيُّ نا عَبْدُ الْوَارِثِ نا فِطْرٌ أَبُو الْهَيْثَمِ نا أَبُو يَزِيدَ الْمَدَنِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَوَّلُ الْقَسَامَةِ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ اسْتَأْجَرَهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ فَخِذٍ أُخْرَى فَانْطَلَقَ مَعَهُ فِي إبِلِهِ، فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ قَدْ انْقَطَعَتْ عُرْوَةُ جُوَالِقِهِ؟ فَقَالَ: أَغِثْنِي بِعِقَالٍ أَشُدُّ بِهِ عُرْوَةَ جُوَالِقِي لَا تَنْفِرُ الْإِبِلُ، فَأَعْطَاهُ عِقَالًا يَشُدُّ بِهِ جُوَالِقَهُ، فَلَمَّا نَزَلُوا عُقِلَتْ الْإِبِلُ إلَّا بَعِيرًا وَاحِدًا، فَقَالَ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ: مَا شَأْنُ هَذَا الْبَعِيرِ لَمْ يُعْقَلْ مِنْ بَيْنِ الْإِبِلِ؟ قَالَ: لَيْسَ لَهُ عِقَالٌ، قَالَ فَأَيْنَ عِقَالُهُ؟ قَالَ: مَرَّ بِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ قَدْ انْقَطَعْت عُرْوَةُ جُوَالِقِهِ فَاسْتَغَاثَنِي؟ فَقَالَ: أَغِثْنِي بِعِقَالٍ أَشُدُّ بِهِ عُرْوَةَ جُوَالِقِي لَا تَنْفِرُ الْإِبِلُ، فَأَعْطَيْته عِقَالَهُ، فَحَذَفَهُ بِعَصًا كَانَ فِيهِ أَجَلُهُ، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ: أَتَشْهَدُ الْمَوْسِمَ؟ قَالَ: مَا أَشْهَدُ وَرُبَّمَا أَشْهَدُ. قَالَ: هَلْ أَنْتَ عَنِّي مُبَلِّغٌ رِسَالَةً مِنْ الدَّهْرِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: إذَا شَهِدْت الْمَوْسِمَ فَنَادِ: يَا آلَ قُرَيْشٍ؛ فَإِذَا أَجَابُوكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>