للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَنَادِ: يَا آلَ بَنِي هَاشِمٍ، فَإِذَا أَجَابُوك، فَسَلْ عَنْ أَبِي طَالِبٍ فَأَخْبِرْهُ: أَنَّ فُلَانًا قَتَلَنِي فِي عِقَالٍ وَمَاتَ الْمُسْتَأْجَرُ. فَلَمَّا قَدِمَ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ أَتَاهُ أَبُو طَالِبٍ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ صَاحِبُنَا؟ قَالَ: مَرِضَ فَأَحْسَنْت الْقِيَامَ عَلَيْهِ، ثُمَّ مَاتَ فَوُلِّيت دَفْنَهُ، فَقَالَ: أَهَلْ ذَلِكَ مِنْك؟ فَمَكَثَ حِينًا - ثُمَّ إنَّ الرَّجُلَ الْيَمَانِيَّ الَّذِي كَانَ أَوْصَى إلَيْهِ أَنْ يُبَلِّغَ عَنْهُ وَافَى الْمَوْسِمَ، قَالَ: يَا آلَ قُرَيْشٍ؟ فَقَالُوا: هَذِهِ قُرَيْشٌ، قَالَ: يَا بَنِي هَاشِمٍ، قَالُوا: هَذِهِ بَنُو هَاشِمٍ، قَالَ: أَيْنَ أَبُو طَالِبٍ؟ قَالُوا: هَذَا أَبُو طَالِبٍ، قَالَ: أَمَرَنِي فُلَانٌ أَنْ أُبَلِّغَك رِسَالَتَهُ: أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ فِي عِقَالٍ، فَأَتَاهُ أَبُو طَالِبٍ فَقَالَ: اخْتَرْ مِنَّا إحْدَى ثَلَاثٍ إنْ شِئْت أَنْ تُودِيَ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ فَإِنَّك قَتَلْت صَاحِبَنَا خَطَأً، وَإِنْ شِئْت حَلَفَ خَمْسُونَ مِنْ قَوْمِكَ أَنَّك لَمْ تَقْتُلْهُ، فَإِنْ أَبَيْت قَتَلْنَاك بِهِ، فَأَتَى قَوْمُهُ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُمْ، فَقَالُوا: نَحْلِفُ؟ فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ كَانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْهُمْ قَدْ وَلَدَتْ لَهُ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا طَالِبٍ أُحِبُّ أَنْ تُجِيزَ ابْنِي هَذَا بِرَجُلٍ مِنْ الْخَمْسِينَ، وَلَا تُصْبِرْ يَمِينَهُ حَيْثُ تُصْبَرُ الْأَيْمَانُ؟ فَفَعَلَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ: يَا أَبَا طَالِبٍ أَرَدْت خَمْسِينَ رَجُلًا أَنْ يَحْلِفُوا مَكَانَ مِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ يُصِيبُ كُلُّ رَجُلٍ بَعِيرَانِ، فَهَذَانِ بَعِيرَانِ فَاقْبَلْهُمَا عَنِّي وَلَا تُصْبِرْ يَمِينِي حَيْثُ تُصْبَرُ الْأَيْمَانُ؟ فَقَبِلَهُمَا، وَجَاءَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا حَلَفُوا - قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا حَالَ الْحَوْلُ وَمِنْ الثَّمَانِيَةِ وَأَرْبَعِينَ عَيْنٌ تَطْرِفُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَأَضَافُوا إلَى هَذَا الْخَبَرِ الْحَدِيثَ الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا بِأَوْرَاقٍ فِي بَابِ الْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقَسَامَةِ، وَهُوَ أَنَّ الْقَسَامَةَ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَقَرَّهَا رَسُولُ اللَّهِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَقَضَى بِهَا بَيْنَ نَاسٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي قَتِيلٍ ادَّعَوْهُ عَلَى يَهُودَ خَيْبَرَ - وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْقَسَامَةِ الَّتِي حَكَمَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ نَاسٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي قَتِيلٍ - ادَّعَوْهُ عَلَى يَهُودَ قَدْ ذَكَرْنَاهَا وَإِنَّمَا هِيَ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ، لَا فِي مُصَابٍ ادَّعَى أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ - فَهَذَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ.

وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا، فَهُوَ كُلُّهُ عَلَيْهِمْ، لَا لَهُمْ، وَلَئِنْ كَانَ ذَلِكَ الْخَبَرُ حُجَّةً، فَلَقَدْ خَالَفُوهُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ، وَمَا فِيهِ لَهُمْ حُجَّةٌ أَصْلًا فِي شَيْءٍ.

لِأَنَّ قَوْلَ ذَلِكَ الْمَقْتُولِ لَمْ يَتَبَيَّنْ بِشَاهِدَيْنِ، وَإِنَّمَا أَتَى بِهِ رَجُلٌ وَاحِدٌ - وَهُمْ لَا يَرَوْنَ الْقَسَامَةَ فِي مِثْلِ هَذَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>