للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ وُجِدَ لَا أَثَرَ فِيهِ؟ فَقَدْ قُلْنَا: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا حَكَمَ فِي مَقْتُولٍ، وَلَيْسَ كُلُّ مَيِّتٍ مَقْتُولًا، فَإِنْ تَيَقَّنَّا أَنَّهُ قُتِلَ بِأَثَرٍ وُجِدَ فِيهِ مِنْ: ضَرْبٍ أَوْ شَدْخٍ أَوْ خَنْقٍ، أَوْ ذَبْحٍ أَوْ طَعْنٍ، أَوْ جُرْحٍ أَوْ كَسْرٍ، أَوْ سُمٍّ - فَهُوَ مَقْتُولٌ وَالْقَسَامَةُ فِيهِ.

وَإِنْ تَيَقَّنَّا أَنَّهُ مَيِّتٌ حَتْفَ أَنْفِهِ لَا أَثَرَ فِيهِ أَلْبَتَّةَ فَلَا قَسَامَةَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَتْ هِيَ الْحَالَ الَّتِي حَكَمَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقَسَامَةِ.

إنْ أَشْكَلَ أَمْرُهُ فَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مَيِّتًا حَتْفَ أَنْفِهِ، وَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مَقْتُولًا، غَمَّهُ بِشَيْءٍ وَضَعَهُ عَلَى فِيهِ فَقَطَعَ نَفَسَهُ فَمَاتَ: فَالْقَسَامَةُ فِيهِ.

فَإِنْ قِيلَ: لِمَ قُلْتُمْ هَذَا وَالْأَصْلُ أَنَّ مَنْ مَاتَ غَيْرَ مَقْتُولٍ فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ؟ قُلْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: إنَّ الْمَقْتُولَ أَيْضًا مُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ قَتَلَ نَفْسَهُ أَوْ قَتَلَهُ سَبُعٌ، فَلَمَّا كَانَ إمْكَانُ مَا ذَكَرْنَا لَا يَمْنَعُ مِنْ الْقَسَامَةِ لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ قَدْ قَتَلَهُ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَتَلَهُ، وَوَجَبَتْ الْقَسَامَةُ؛ لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ قَتَلَهُ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَتَلَهُ - فَلَيْسَ هَذَا قِيَاسًا، فَلَا تَكُنْ غَافِلًا مُتَعَسِّفًا أَنَّنَا قَدْ قِسْنَا أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ - وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، لَكِنَّهُ بَابٌ وَاحِدٌ كُلُّهُ، إنَّمَا هُوَ مَنْ وُجِدَ مَيِّتًا وَادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ عَلَى قَوْمٍ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ، أَوْ عَلَى وَاحِدٍ أَنَّهُ قَتَلَهُ وَكَانَ قَتْلُهُمْ لَهُ الَّذِي ادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ عَلَيْهِمْ مُمْكِنًا - فَهَذِهِ هِيَ الْقِصَّةُ الَّتِي حَكَمَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَيْنِهَا بِالْقَسَامَةِ، فَفَرْضٌ عَلَيْنَا أَنْ نَحْكُمَ فِيهَا بِالْقَسَامَةِ إذَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مَنْ ادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ حَقًّا، وَإِنَّمَا يَبْطُلُ الْحُكْمُ بِالْقَسَامَةِ إذَا أَيْقَنَّا أَنَّ الَّذِي يَدَّعُونَهُ بَاطِلٌ بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَسَوَاءٌ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارِ أَعْدَاءٍ كُفَّارٍ، أَوْ أَعْدَاءٍ مُؤْمِنِينَ، أَوْ أَصْدِقَاءٍ كُفَّارٍ، أَوْ أَصْدِقَاءٍ مُؤْمِنِينَ، أَوْ فِي دَارِ أَخِيهِ، أَوْ ابْنِهِ أَوْ حَيْثُمَا وُجِدَ، فَالْقَسَامَةُ فِي ذَلِكَ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَمُعَاوِيَةَ، بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا يَصِحُّ خِلَافُهُمَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّهُمَا حَكَمَا بِالْقَسَامَةِ فِي إسْمَاعِيلَ بْنِ هَبَّارٍ وُجِدَ مَقْتُولًا بِالْمَدِينَةِ، وَادَّعَى قَوْمٌ قَتْلَهُ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى - مُفْتَرِقَةِ الدُّورِ - وَلَمْ يُوجَدْ الْمَقْتُولُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَهُمْ: زُهْرَى، وَتَيْمِيٌّ، وَلَيْثِيٌّ كِنَانِيٌّ، وَبِهَذَا نَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>