للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَوْمَئِذٍ فِي غَيْرِ الْمَدِينَةِ، إلَّا مَنْ كَانَ مُهَاجِرًا بِالْحَبَشَةِ، أَوْ مُسْتَضْعَفًا بِمَكَّةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ فَتْحِ خَيْبَرَ.

لِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ قَبْلُ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ خَيْبَرَ كَانَتْ يَوْمَئِذٍ صُلْحًا وَلَمْ تَكُنْ قَطُّ صُلْحًا بَعْدَ فَتْحِهَا عَنْوَةً، بَلْ كَانُوا ذِمَّةً تَجْرِي عَلَيْهِمْ الصَّغَارُ، لَا يُسَمُّونَ صُلْحًا، وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ أَنْ يَأْذَنُوا بِحَرْبٍ.

فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إجْمَاعٌ مِنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ بِيَقِينٍ لَا مَجَالَ لِلشَّكِّ فِيهِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ -: فَمَا تَقُولُونَ فِي قَتِيلٍ يُوجَدُ وَفِيهِ رَمَقٌ، فَيُحْمَلُ فَيَمُوتُ فِي مَكَان آخَرَ، أَوْ فِي الطَّرِيقِ، أَوْ يَمُوتُ إثْرَ وُجُودِهِمْ لَهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ؟ فَجَوَابُنَا: أَنَّهُ لَا قَسَامَةَ فِي هَذَا، وَإِنَّمَا فِيهِ التَّدَاعِي فَقَطْ، يُكَلَّفُ أَوْلِيَاؤُهُ الْبَيِّنَةَ، سَوَاءٌ ادَّعَى هُوَ عَلَى أَحَدٍ أَوْ لَمْ يَدَّعِ، فَإِنْ جَاءُوا بِالْبَيِّنَةِ قَضَى لَهُمْ بِمَا شَهِدَتْ بِهِ بَيِّنَتُهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَأْتُوا بِالْبَيِّنَةِ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ يَمِينًا وَاحِدَةً - إنْ كَانَ وَاحِدًا - فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ حَلَفُوا كُلُّهُمْ يَمِينًا يَمِينًا وَلَا بُدَّ وَيُجْبَرُونَ عَلَى ذَلِكَ أَبَدًا.

وَبُرْهَانُنَا عَلَى ذَلِكَ: هُوَ أَنَّ الْأَصْلَ الْمُطَّرِدَ فِي كُلِّ دَعْوَى فِي الْإِسْلَامِ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْحُقُوقِ، وَلَا نُحَاشِ شَيْئًا - هُوَ " أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ ".

كَمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ يَقُولُ «لَوْ أُعْطِيَ النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» .

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ» ، وَهَذَانِ عَامَّانِ، وَلَا يَصِحُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُخْرِجَ عَنْهُمَا شَيْئًا، إلَّا مَا أَخْرَجَهُ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ، وَلَا نَصَّ إلَّا فِي الْقَتِيلِ يُوجَدُ فَقَطْ، فَمَتَى وَجَدَهُ حَيًّا أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ أَلْبَتَّةَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>