للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ بِكُلِّ وَجْهٍ، وَلَاحَ خِلَافُهُمْ فِي ذَلِكَ، فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ الْعُدُولُ عَنْهُ.

وَاعْتَرَضَ الْمَالِكِيُّونَ، وَمَنْ لَا يَرَى الْقَسَامَةَ فِي هَذَا، بِأَنْ قَالُوا: وَالْقَتِيلُ قَدْ يُقْتَلُ ثُمَّ يَحْمِلُهُ قَاتِلُهُ فَيُلْقِيهِ عَلَى بَابِ إنْسَانٍ أَوْ فِي دَارِ قَوْمٍ؟ فَجَوَابُنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: أَنَّ هَذَا مُمْكِنٌ، وَلَكِنْ لَا يُعْتَرَضُ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَحُكْمِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَمْرُ كَذَا، وَبِيَقِينٍ يَدْرِي كُلُّ مُسْلِمٍ أَنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكْذِبَ الشَّاهِدُ، وَيَكْذِبَ الْحَالِفُ، وَيَكْذِبَ الْمُدَّعِي: أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ - هَذَا أَمْرٌ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى دَفْعِهِ، فَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي رَدُّوا بِهِ حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَالَفُوهُ: أَنْ لَا يَقْتُلُوا أَحَدًا بِشَهَادَةِ شَاهِدِينَ، فَقَدْ يَكْذِبَانِ، وَلَيْسَ الْقَوَدُ بِالشَّاهِدِينَ إجْمَاعًا فَيَتَعَلَّقُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْحَسَنَ يَقُولُ: لَا يُقْبَلُ فِي الْقَوَدِ إلَّا أَرْبَعَةٌ.

ثُمَّ نَرْجِعُ إلَى مَسْأَلَتِنَا فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: إنَّهُ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ - يَدْرِي أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ - أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَى مَا حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يَقُولَ: لَا يَجُوزُ هَذَا الْحُكْمُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَرْمِيَهُ قَاتِلُهُ عَلَى بَابِ غَيْرِهِ - وَنَعَمْ، - هَذَا مُمْكِنٌ.

أَتَرَى لَوْ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِ أَهْلِ مَدِينَةٍ بِأَسْرِهَا أَوْ بِقَتْلِ أُمَّهَاتِنَا وَآبَائِنَا وَأَنْفُسِنَا، كَمَا أَمَرَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَوْمَهُ بِقَتْلِ أَنْفُسِهِمْ إذْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ {فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ} [البقرة: ٥٤] أَكَانَ يَكُونُ فِي الْإِسْلَامِ نَصِيبٌ لِمَنْ يَعْنِدُ عَنْ ذَلِكَ؟ إنَّ هَذَا لَعَظِيمٌ جِدًّا.

وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُكْمٌ ظَاهِرٌ مُعَلَّقٌ فِي دَمِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ مِنْ الْأَنْصَارِ عَلَى يَهُودَ خَيْبَرَ، وَبَيْنَهُمَا مِنْ الْمَسَافَةِ سِتَّةٌ وَتِسْعُونَ مِيلًا مِائَةُ مِيلٍ غَيْرَ أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ تَتَرَدَّدُ فِي ذَلِكَ الرُّسُلُ، وَتَخْتَلِفُ الْكُتُبُ، وَيَقَعُ فِي ذَلِكَ التَّوَعُّدُ بِالْحَرْبِ.

كَمَا صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «إمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ أَوْ يُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ» .

فَهَذَا أَمْرٌ لَا يَشُكُّ ذُو حِسٍّ سَلِيمٍ - مِنْ مُؤْمِنٍ أَوْ كَافِرٍ - فِي أَنَّهُ لَمْ تَخْفَ هَذِهِ الْقِصَّةُ، وَلَا هَذَا الْحُكْمُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِالْمَدِينَةِ، وَلَا عَنْ الْيَهُودِ، وَلَا إسْلَامَ

<<  <  ج: ص:  >  >>