للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ لَهَا: أَقَتَلَكَ فُلَانٌ؟ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا: أَنْ لَا، ثُمَّ قَالَ لَهَا الثَّانِيَةَ، فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا: أَنْ لَا، سَأَلَهَا الثَّالِثَةَ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، وَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا، فَقَتَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ حَجَرَيْنِ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ هَذَا خَبَرٌ رُوِّينَاهُ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى مُسْلِمٍ نا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْيَهُودِ قَتَلَ جَارِيَةً مِنْ الْأَنْصَارِ عَلَى حُلِيٍّ لَهَا ثُمَّ أَلْقَاهَا فِي قَلِيبٍ وَرَضَخَ رَأْسَهَا بِالْحِجَارَةِ؟ وَأُخِذَ فَأُتِيَ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ حَتَّى يَمُوتَ» وَهَكَذَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، وَأَبَانُ بْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ، كِلَاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ.

فَإِنْ قَالُوا: إنَّ شُعْبَةَ زَادَ ذِكْرَ دَعْوَى الْمَقْتُولَةِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ مَقْبُولَةٌ؟ قُلْنَا: صَدَقْتُمْ، وَقَدْ زَادَ هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ - فِي هَذَا الْخَبَرِ زِيَادَةً لَا يَحِلُّ تَرْكُهَا: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ نا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ جَارِيَةً وُجِدَ رَأْسُهَا قَدْ رُضَّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ فَسَأَلُوهَا مَنْ صَنَعَ هَذَا بِكِ؟ فُلَانٌ، فُلَانٌ، حَتَّى ذَكَرُوا يَهُودِيًّا فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا، فَأُخِذَ الْيَهُودِيُّ فَأَقَرَّ؟ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُرَضَّ رَأْسُهُ بِالْحِجَارَةِ» ، فَصَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقْتُلْ الْيَهُودِيَّ إلَّا بِإِقْرَارِهِ، لَا بِدَعْوَى الْمَقْتُولَةِ.

وَوَجْهٌ آخَرُ - وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَهُمْ مَا لَا يَصِحُّ أَبَدًا مِنْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا قَتَلَهُ بِدَعْوَاهَا لَكَانَ هَذَا الْخَبَرُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، وَلَكَانُوا مُخَالِفِينَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ قَسَامَةٍ أَصْلًا، وَهُمْ لَا يَقْتُلُونَ بِدَعْوَى الْمَقْتُولَةِ أَلْبَتَّةَ إلَّا حَتَّى يَحْلِفَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا مِنْ الْأَوْلِيَاءِ خَمْسِينَ يَمِينًا وَلَا بُدَّ.

وَأَيْضًا - فَهُمْ لَا يَرَوْنَ الْقَسَامَةَ بِدَعْوَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ.

وَالْأَظْهَرُ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّهَا كَانَتْ لَمْ تَبْلُغْ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ جَارِيَةً ذَاتَ أَوْضَاحٍ، وَهَذِهِ الصِّفَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ الَّذِينَ بِلُغَتِهِمْ تَكَلَّمَ أَنَسٌ، إنَّمَا يُوقِعُونَهَا عَلَى الصَّبِيَّةِ، لَا عَلَى الْمَرْأَةِ الْبَالِغِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>