وَقَالَ تَعَالَى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} [آل عمران: ١٠٤] الْآيَةَ.
فَكَانَتْ الِاسْتِتَابَةُ فِعْلَ خَيْرٍ وَدُعَاءً إلَى سَبِيلِ رَبِّنَا بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَدُعَاءً إلَى الْخَيْرِ، وَأَمْرًا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيًا عَنْ الْمُنْكَرِ، فَكَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا، وَكَانَ فَاعِلُهُ مُصْلِحًا.
وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِعَلِيٍّ «لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِهُدَاكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ» .
قَالُوا: فَهَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُزْهَدَ فِيهِ.
قَالُوا: وَقَدْ فَعَلَهُ عَلِيٌّ، وَعُثْمَانُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ - وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا أَصْلًا، فَعَارَضَهُمْ مَنْ قَالَ: لَا أَسْتَتِيبُهُ بِأَنْ قَالُوا: بِأَنَّ الدُّعَاءَ إلَى سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَجِبَ مَرَّةً، أَوْ عَدَدًا مَحْدُودًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ، أَوْ أَبَدًا مَا امْتَدَّ الْعُمْرُ بِلَا نِهَايَةٍ، وَلَا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ رَابِعٍ.
قَالَ: فَإِنْ قُلْتُمْ: إنَّهُ يَجِبُ أَبَدًا مَا امْتَدَّ بِهِ الْعُمْرُ بِلَا نِهَايَةٍ: تَرَكْتُمْ قَوْلَكُمْ وَصِرْتُمْ إلَى قَوْلِ مَنْ رَأَى أَنْ يُسْتَتَابَ الْمُرْتَدُّ أَبَدًا، وَلَا يُقْتَلَ - وَهَذَا لَيْسَ هُوَ قَوْلَكُمْ، وَلَوْ كَانَ لَكُنَّا قَدْ أَبْطَلْنَاهُ آنِفًا، وَلَوْ كَانَ هَذَا أَيْضًا لَبَطَلَ الْجِهَادُ جُمْلَةً، لِأَنَّ الدُّعَاءَ كَانَ يَلْزَمُ أَبَدًا مُكَرَّرًا بِلَا نِهَايَةٍ، وَهَذَا قَوْلٌ لَا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ أَصْلًا، وَلَيْسَ دُعَاءُ الْمُرْتَدِّ - وَهُوَ أَحَدُ الْكُفَّارِ - بِأَوْجَبَ مِنْ دُعَاءِ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ الْحَرْبِيِّينَ - فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَإِنْ قُلْتُمْ: إنَّهُ يَجِبُ عَدَدًا مُحَدَّدًا أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ: كُنْتُمْ قَائِلِينَ بِلَا دَلِيلٍ، وَهَذَا بَاطِلٌ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: ١١١] .
وَلَيْسَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: يُسْتَتَابُ مَرَّتَيْنِ بِأَوْلَى مِمَّنْ قَالَ: ثَلَاثَةً، وَلَا مِمَّنْ قَالَ: أَرْبَعًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute