وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِلَا بُرْهَانٍ، فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ بِلَا شَكٍّ.
فَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: يُدْعَى مَرَّةً؟ فَيُقَالُ لَهُ: إنَّ مَنْ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ: قَدْ تَقَدَّمَ دُعَاؤُهُ إلَى الْإِسْلَامِ حِينَ أَسْلَمَ بِلَا شَكٍّ، إنْ كَانَ دَخِيلًا فِي الْإِسْلَامِ، أَوْ حِينَ بَلَغَ، وَعَلِمَ شَرَائِعَ الدِّينِ، هَذَا مَا لَا شَكَّ فِيهِ.
وَقَدْ قُلْنَا: إنَّ التَّكْرَارَ لَا يَلْزَمُ، فَالْوَاجِبُ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهِ، إذْ قَدْ اتَّفَقْنَا - نَحْنُ وَأَنْتُمْ - عَلَى وُجُوبِ قَتْلِهِ إنْ لَمْ يُرَاجِعْ الْإِسْلَامَ، فَالِاشْتِغَالُ عَنْ ذَلِكَ وَتَأْخِيرُهُ بِاسْتِتَابَةٍ، وَدُعَاءٍ: لَا يُلْزِمَانِ تَرْكَ الْإِقَامَةِ عَلَيْهِ - وَهَذَا لَا يَجُوزُ؟ قَالُوا: وَنَحْنُ لَمْ نَمْنَعْ مِنْ دُعَائِهِ إلَى الْإِسْلَامِ فِي خِلَالِ ذَلِكَ دُونَ تَأْخِيرٍ لِإِقَامَةِ الْحَقِّ عَلَيْهِ، وَلَا تَضْيِيعٍ لَهُ، وَإِنَّمَا كَلَامُنَا: هَلْ يَجِبُ دُعَاؤُهُ وَاسْتِتَابَتُهُ فَرْضًا أَمْ لَا؟ فَهَاهُنَا اخْتَلَفْنَا، فَأَوْجَبْتُمُوهُ بِلَا بُرْهَانٍ، وَلَمْ نُوجِبْ نَحْنُ وَلَا مَنَعْنَا؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: نَدْعُوهُ مَرَّةً بَعْدَ الدُّعَاءِ الْأَوَّلِ السَّالِفِ: لَمْ تَكُونُوا بِأَوْلَى مِمَّنْ قَالَ: بَلْ اُدْعُوهُ مَرَّةً ثَانِيَةً أَيْضًا بَعْدَ هَذِهِ الْمَرَّةِ؟ أَوْ مِمَّنْ قَالَ: بَلْ الثَّالِثَةُ بَعْدَ الثَّانِيَةِ.
أَوْ مِمَّنْ قَالَ: بَلْ الرَّابِعَةُ بَعْدَ الثَّالِثَةِ - وَهَكَذَا أَبَدًا.
فَبَطَلَ بِلَا شَكٍّ مَا أَوْجَبْتُمْ فَرْضًا مِنْ اسْتِتَابَتِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَأَكْثَرَ.
قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَصَحَّ عَنْ عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَلَا حُجَّةَ لَكُمْ فِي هَذَا: أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ - فَلَا تَصِحُّ، لِأَنَّ الطَّرِيقَ فِي كِلْتَيْ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ وَهُوَ سَاقِطٌ.
وَأَمَّا الْحُكْمُ فِي أَهْلِ الرِّدَّةِ: فَهُوَ أَمْرٌ مَشْهُورٌ، نَقْلُ الْكَوَافِّ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى إنْكَارِهِ، إلَّا أَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَكُمْ فِيهِ، لِأَنَّ أَهْلَ الرِّدَّةِ كَانُوا قِسْمَيْنِ: قِسْمًا لَمْ يُؤْمِنْ قَطُّ كَأَصْحَابِ مُسَيْلِمَةَ، وَسَجَاحَ، فَهَؤُلَاءِ حَرْبِيُّونَ لَمْ يُسْلِمُوا قَطُّ، لَا يَخْتَلِفُ أَحَدٌ فِي أَنَّهُمْ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ وَإِسْلَامُهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute