للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، قَالَ اللَّهُ: حَمِدَنِي عَبْدِي» .

فَقَوْلُهُ تَعَالَى (إذَا قَالَ الْعَبْدُ) عَنِيَ بِهِ الْحُرَّ وَالْمَمْلُوكَ - بِلَا شَكٍّ -.

وَالْإِبَاقُ مُطْلَقٌ عَلَى الْحُرِّ أَيْضًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [الصافات: ١٤٠] فَأَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ رَسُولِهِ الْحُرِّ يُونُسَ بْنِ مَتَّى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَبَقَ إذْ خَرَجَ مُغَاضِبًا لِأَمْرِ رَبِّهِ تَعَالَى.

وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ مَنْ خَرَجَ عَنْ دَارِ الْإِسْلَامِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَقَدْ أَبَقَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَنْ إمَامِ الْمُسْلِمِينَ وَجَمَاعَتِهِمْ، وَيُبَيِّنُ هَذَا حَدِيثُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ» وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَبْرَأُ إلَّا مِنْ كَافِرٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: ٧١] .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَصَحَّ بِهَذَا أَنَّ مَنْ لَحِقَ بِدَارِ الْكُفْرِ وَالْحَرْبِ مُخْتَارًا مُحَارِبًا لِمَنْ يَلِيهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَهُوَ بِهَذَا الْفِعْلِ مُرْتَدٌّ لَهُ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّ كُلُّهَا: مِنْ وُجُوبِ الْقَتْلِ عَلَيْهِ، مَتَى قُدِرَ عَلَيْهِ، وَمِنْ إبَاحَةِ مَالِهِ، وَانْفِسَاخِ نِكَاحِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَبْرَأْ مِنْ مُسْلِمٍ.

وَأَمَّا مَنْ فَرَّ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ لِظُلْمٍ خَافَهُ، وَلَمْ يُحَارِبْ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا أَعَانَهُمْ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَجِدْ فِي الْمُسْلِمِينَ مَنْ يُجِيرُهُ، فَهَذَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ مُكْرَهٌ.

وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الزُّهْرِيَّ مُحَمَّدَ بْنَ مُسْلِم بْنِ شَهَابٍ: كَانَ عَازِمًا عَلَى أَنَّهُ إنْ مَاتَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ لَحِقَ بِأَرْضِ الرُّومِ، لِأَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ يَزِيدَ كَانَ نَذَرَ دَمَهُ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَهُوَ كَانَ الْوَالِي بَعْدَ هِشَامٍ فَمَنْ كَانَ هَكَذَا فَهُوَ مَعْذُورٌ.

وَكَذَلِكَ: مَنْ سَكَنَ بِأَرْضِ الْهِنْدِ، وَالسِّنْدِ، وَالصِّينِ، وَالتُّرْكِ، وَالسُّودَانِ وَالرُّومِ، مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ هُنَالِكَ لِثِقَلِ ظَهْرٍ، أَوْ لِقِلَّةِ مَالٍ، أَوْ لِضَعْفِ جِسْمٍ، أَوْ لِامْتِنَاعِ طَرِيقٍ، فَهُوَ مَعْذُورٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>