فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مُحَارِبًا لِلْمُسْلِمِينَ مُعِينًا لِلْكُفَّارِ بِخِدْمَةٍ، أَوْ كِتَابَةٍ: فَهُوَ كَافِرٌ - وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يُقِيمُ هُنَالِكَ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا، وَهُوَ كَالذِّمِّيِّ لَهُمْ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى اللِّحَاقِ بِجَمْهَرَةِ الْمُسْلِمِينَ وَأَرْضِهِمْ، فَمَا يَبْعُدُ عَنْ الْكُفْرِ، وَمَا نَرَى لَهُ عُذْرًا - وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ: مَنْ سَكَنَ فِي طَاعَةِ أَهْلِ الْكُفْرِ مِنْ الْغَالِيَةِ؛ وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُمْ، لِأَنَّ أَرْضَ مِصْرَ وَالْقَيْرَوَانِ، وَغَيْرَهُمَا، فَالْإِسْلَامُ هُوَ الظَّاهِرُ، وَوُلَاتُهُمْ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ لَا يُجَاهِرُونَ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ الْإِسْلَامِ، بَلْ إلَى الْإِسْلَامِ يَنْتَمُونَ، وَإِنْ كَانُوا فِي حَقِيقَةِ أَمْرِهِمْ كُفَّارًا.
وَأَمَّا مَنْ سَكَنَ فِي أَرْضِ الْقَرَامِطَةِ مُخْتَارًا فَكَافِرٌ بِلَا شَكٍّ، لِأَنَّهُمْ مُعْلِنُونَ بِالْكُفْرِ وَتَرْكِ الْإِسْلَامِ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ.
وَأَمَّا مَنْ سَكَنَ فِي بَلَدٍ تَظْهَرُ فِيهِ بَعْضُ الْأَهْوَاءِ الْمُخْرِجَةِ إلَى الْكُفْرِ، فَهُوَ لَيْسَ بِكَافِرٍ، لِأَنَّ اسْمَ الْإِسْلَامِ هُوَ الظَّاهِرُ هُنَالِكَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، مِنْ التَّوْحِيدِ، وَالْإِقْرَارِ بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ دِينٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَسَائِرِ الشَّرَائِعِ الَّتِي هِيَ الْإِسْلَامُ وَالْإِيمَانُ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ أَقَامَ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ» يُبَيِّنُ مَا قُلْنَاهُ، وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ دَارَ الْحَرْبِ، وَإِلَّا فَقَدْ اسْتَعْمَلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عُمَّالَهُ عَلَى خَيْبَرَ، وَهُمْ كُلُّهُمْ يَهُودُ.
وَإِذَا كَانَ أَهْلُ الذِّمَّةِ فِي مَدَائِنِهِمْ لَا يُمَازِجُهُمْ غَيْرُهُمْ فَلَا يُسَمَّى السَّاكِنُ فِيهِمْ - لِإِمَارَةٍ عَلَيْهِمْ، أَوْ لِتِجَارَةٍ - بَيْنَهُمْ: كَافِرًا، وَلَا مُسِيئًا، بَلْ هُوَ مُسْلِمٌ حَسَنٌ، وَدَارُهُمْ دَارُ إسْلَامٍ، لَا دَارُ شِرْكٍ، لِأَنَّ الدَّارَ إنَّمَا تُنْسَبُ لِلْغَالِبِ عَلَيْهَا، وَالْحَاكِمُ فِيهَا، وَالْمَالِكُ لَهَا.
وَلَوْ أَنَّ كَافِرًا مُجَاهِدًا غَلَبَ عَلَى دَارٍ مِنْ دُورِ الْإِسْلَامِ، وَأَقَرَّ الْمُسْلِمِينَ بِهَا عَلَى حَالِهِمْ، إلَّا أَنَّهُ هُوَ الْمَالِكُ لَهَا، الْمُنْفَرِدُ بِنَفْسِهِ فِي ضَبْطِهَا، وَهُوَ مُعْلِنٌ بِدِينٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ لَكَفَرَ بِالْبَقَاءِ مَعَهُ كُلُّ مَنْ عَاوَنَهُ، وَأَقَامَ مَعَهُ - وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ مُسْلِمٌ - لِمَا ذَكَرْنَا.
وَأَمَّا مَنْ حَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ مِنْ أَهْلِ الثَّغْرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَعَانَ بِالْمُشْرِكِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute