قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا لَا يَدُلُّ أَلْبَتَّةَ لَا بِنَصٍّ، وَلَا بِدَلِيلٍ عَلَى كُفْرِ مَنْ فَعَلَ هَذَا، وَلَكِنَّهَا مَعْصِيَةٌ بِلَا شَكٍّ.
وَقَالَ تَعَالَى {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ} [التوبة: ٦١] إلَى قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ} [التوبة: ٦٣] .
قَالَ: وَهَذِهِ الْآيَةُ لَيْسَ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى كُفْرِ مَنْ قَالَ حِينَئِذٍ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُذُنٌ، وَإِنَّمَا يَكُونُ كَافِرًا مَنْ قَالَ ذَلِكَ، وَآذَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ نُزُولِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ، وَنُزُولِ الْقُرْآنِ بِأَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ كَافِرٌ، وَأَنَّ مَنْ حَادَّ اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا.
فَقَدْ جَاءَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك لَأَحَبُّ إلَيَّ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ إلَّا نَفْسِي، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَلَامًا مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ حَتَّى يَكُونَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَمَّا الْآنَ فَأَنْتَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ نَفْسِي.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يَصِحُّ أَنَّ أَحَدًا عَادَ إلَى أَذَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُحَادَّتِهِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ بِالنَّازِلِ فِي ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا كَانَ كَافِرًا.
وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ امْرَأً لَوْ أَسْلَمَ وَلَمْ يَعْلَمْ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ فَاعْتَقَدَ أَنَّ الْخَمْرَ - حَلَالٌ، وَأَنْ لَيْسَ عَلَى الْإِنْسَانِ صَلَاةٌ، وَهُوَ لَمْ يَبْلُغْهُ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ كَافِرًا بِلَا خِلَافٍ يُعْتَدُّ بِهِ، حَتَّى إذَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ فَتَمَادَى حِينَئِذٍ بِإِجْمَاعِ الْأَمَةِ فَهُوَ كَافِرٌ.
وَيُبَيَّنُ هَذَا قَوْله تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ} [التوبة: ٦٢] فَقَدْ أَخْبَرَهُمْ تَعَالَى أَنَّهُمْ إنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ فَإِرْضَاءُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَحَقُّ عَلَيْهِمْ مِنْ إرْضَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَصَحَّ هَذَا بِيَقِينٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَسْتَعِينُ.
وَقَالَ تَعَالَى {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ} [التوبة: ٦٤] قَالَ: وَهَذِهِ الْآيَةُ أَيْضًا لَا نَصَّ فِيهَا عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ فَلَا مُتَعَلَّقَ فِيهَا لِأَحَدٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى.
وَقَالَ تَعَالَى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} [التوبة: ٦٥] إلَى قَوْله تَعَالَى {كَانُوا مُجْرِمِينَ} [التوبة: ٦٦] .