قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ بِلَا شَكٍّ فِي قَوْمٍ مَعْرُوفِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إيمَانِهِمْ وَلَكِنَّ التَّوْبَةَ مَبْسُوطَةٌ لَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [التوبة: ٦٦] فَصَحَّ أَنَّهُمْ أَظْهَرُوا التَّوْبَةَ وَالنَّدَامَةَ وَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَبِلَ اللَّهُ تَعَالَى تَوْبَتَهُ فِي الْبَاطِنِ عِنْدَهُ لِعِلْمِهِ تَعَالَى بِصِحَّتِهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ تَصِحَّ تَوْبَتُهُ فِي الْبَاطِنِ فَهُمْ الْمُعَذَّبُونَ فِي الْآخِرَةِ، وَأَمَّا فِي الظَّاهِرِ فَقَدْ تَابَ جَمِيعُهُمْ بِنَصِّ الْآيَةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَقَالَ تَعَالَى {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ} [التوبة: ٦٧] إلَى قَوْله تَعَالَى {عَذَابٌ مُقِيمٌ} [المائدة: ٣٧] .
قَالَ: فَهَذِهِ صِفَةٌ عَامَّةٌ لَمْ يَقْصِدُ بِهَا إلَى التَّعْرِيفِ لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ، وَهَذِهِ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُنَافِقٍ وَمُنَافِقَةٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: ٧٣] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَلا نَصِيرٍ} [البقرة: ١٠٧] .
قَالَ: فَهَذِهِ آيَةٌ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمُجَاهَدَةِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ، وَالْجِهَادُ قَدْ يَكُونُ بِاللِّسَانِ، وَالْمَوْعِظَةِ، وَالْحُجَّةِ: كَمَا نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا أَبُو دَاوُد نا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ نا حَمَّادُ - هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ - عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ» .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ كَانُوا مَعْرُوفِينَ بِأَعْيَانِهِمْ وَأَنَّهُمْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إسْلَامِهِمْ، وَلَكِنْ لَمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا} [التوبة: ٧٤] صَحَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَذَلَ لَهُمْ التَّوْبَةَ وَقَبِلَهَا مِمَّنْ أَحَاطَهَا مِنْهُمْ وَكُلُّهُمْ بِلَا شَكٍّ أَظْهَرَ التَّوْبَةَ.
وَبُرْهَانُ ذَلِكَ: حَلِفُهُمْ وَإِنْكَارُهُمْ فَلَا مُتَعَلَّقَ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute