للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ وَيُعِيدَانِ عَلَيْهِ تِلْكَ الْمَقَالَةَ، حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ، آخِرُ مَا كَلَّمَهُمْ بِهِ: عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَا وَاَللَّهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [التوبة: ١١٣] الْآيَةَ؟» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَصَحَّ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الِاسْتِغْفَارِ لِلْمُشْرِكِينَ نَزَلَ بِمَكَّةَ - بِلَا شَكٍّ - فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُوقِنْ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ مُشْرِكٌ وَلَوْ أَيْقَنَ أَنَّهُ مُشْرِكٌ لَمَا صَلَّى عَلَيْهِ أَصْلًا، وَلَا اسْتَغْفَرَ لَهُ، وَكَذَلِكَ تَعْدِيدُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَقَالَاتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ: لَا، وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ كَافِرًا لَصَرَّحَ بِذَلِكَ، وَقَصَدَ إلَيْهِ، وَلَمْ يُطَوِّلْ بِغَيْرِهِ. وَالثَّالِثُ - شَكَّ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٌ، وَتَعَجَّبَ عُمَرُ مِنْ مُعَارَضَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي صَلَاتِهِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، وَإِقْرَارِهِ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْرَفُ مِنْهُ. وَالرَّابِعُ - أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا نَهَى نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ وَالِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ فَقَطْ، وَلَمْ يَنْهَ سَائِرَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ ذَلِكَ، وَهَذَا لَا نُنْكِرُهُ، فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُصَلِّي عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يُتْرَكُ لَهُ وَفَاءٌ وَيَأْمُرُ الْمُسْلِمِينَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ. فَصَحَّ يَقِينًا بِهَذَا أَنَّ مَعْنَى الْآيَاتِ إنَّمَا هُوَ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ، وَعَلِمَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالْمُسْلِمُونَ. ثُمَّ تَابُوا فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ، فَمِنْهُمْ مِنْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ بَاطِنَهُ كَظَاهِرِهِ فِي التَّوْبَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ بَاطِنَهُ خِلَافُ ظَاهِرِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَا أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَقَالَ تَعَالَى {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ} [التوبة: ٨١] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة: ٥٥] .

قَالَ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ} [التوبة: ٨١] الْآيَةَ لَيْسَ فِيهَا نَصٌّ عَلَى أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِذَلِكَ، وَلَكِنَّهُمْ أَتَوْا كَبِيرَةً مِنْ الْكَبَائِرِ كَانُوا بِهَا عُصَاةً فَاسِقِينَ.

وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى هَؤُلَاءِ بِأَعْيَانِهِمْ فِي سُورَةِ الْفَتْحِ.

وَبَيَّنَ تَعَالَى هَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ هُنَالِكَ بِزِيَادَةٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُمْ بِهِ هَاهُنَا، فَقَالَ تَعَالَى {سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ} [الفتح: ١١]

<<  <  ج: ص:  >  >>